الأحد، 2 نوفمبر 2008

الشروح العربية المباشرة على المنطق

الشروح العربية المباشرة على المنطق
مختصر شرح مقولات أرسطوطالس للوهبي نموذجا

د. نبيل فولي محمد
(بحث في حولية الجامعة الإسلامية العالمية – إسلام آباد – باكستان)
لم ينفرد المسلمون بالاهتمام بمنطق أرسطو؛ فقد سبقهم إلى ذلك الشراح والمترجمون والمعلِّقون اليونان والرومان والسوريان، وتابعهم على هذا طوائف كبيرة من المهتمين بالعلوم العقلية في أوروبا العصر الوسيط حتى مشارف العصر الحديث.
وقد سار الاهتمام بهذا الفكر القديم في مسار واحد تقريبًا من قِبَل المؤيدين له من البداية إلى النهاية، وهو مسار التبعية للأصل، والاكتفاء بتفصيل ما بدا لهم مجملا، وبيان ما كان غامضًا، والتأصيل لما احتاج في نظرهم إلى تأصيل، دون أن تكون هناك إضافة حقيقية تسير بالمنطق في مسار جديد يختلف عما جادت به عبقرية أرسطو. والمثال الأبرز على هذا هو مدخل (= إيساغوجي) فرفوريوس الصوري(
[1]) على المقولات؛ ذلك "المقال المنطقي" الذي أخذ موضعه المكين من الأورجانون الأرسطي حتى التصق به كجزء منه، دون أن يتجاوز كونه ترديدًا لأفكار أرسطية أوردها المنطقي الأول في مواضع من أجزاء منطقه([2]).
ومع أن المسلمين اهتموا بالمباحث اللغوية للمنطق اهتمامًا خاصًا، ومنحوا بعض المسائل المنطقية بتطبيقاتهم الكلامية والفلسفية مذاقًا مختلفًا عن المعالجات الأرسطية؛ كالمقولات مثلا، وقدموا وأخروا في مباحث المنطق حسب المناسبة التي بدت لهم – مع هذا، فقد ظل إنتاجهم المنطقي الخالص يسير في المسارات المعهودة لدراسة المنطق الأرسطي عامة.
وقد تنوع جهدهم في هذا السبيل منذ استقرار ترجمة الأورجانون كاملا في القرن الثالث الهجري، فعلقوا عليه تعليقات مختصرة، وشرحوه شروحًا مجملة تارة ومفصلة تارة أخرى، وبيَّنوا أغراضه العامة، وكتبوا في معانيه كتابة مستقلة بأسلوبهم هم وحسب فهمهم له.
وعلى الرغم من أن الشروح المباشرة على منطق أرسطو؛ ذلك اللون من التأليف الذي اشتهر به أبو الوليد بن رشد القرطبي (ت 595هـ)، ولا ينفصل فيه الشارح عن النص باجتهاد يتجاوز به رأي المؤلف الأصلي - على الرغم من أن هذه الشروح تأتي في مقدمة الخدمات التي قُدِّمت لمنطق أرسطو، إلا أنها قليلة، ولم تنل من الدارسين المعاصرين حظًا مناسبًا من الاهتمام من جهة كونها طريقة خاصة في خدمة النصوص الأرسطية.
وقد أردت في هذه الدراسة تناول شيء عن هذا اللون من شروح المسلمين المنطقية؛ وذلك بتوضيح الأصول التي يقوم عليها، والفرق بينه وبين أنواع الشرح الأخرى، وأشهر المؤلفات فيه؛ مع التطبيق في الغالب على مختصر شرح مقولات أرسطوطالس للوهبي، وهو شرح مباشر على مقولات أرسطو لم ينل الاهتمامَ الذي يستحقه من محققي التراث الفلسفي للمسلمين، على الرغم من أهميته التي يمكن اكتشافها من مطالعة مخطوطة الكتاب الفريدة(
[3]).
وفي سبيل تحقيق ذلك ستعرض الدراسة للقضايا التالية:
1 - التعريق بالمقولات ومختصر الشرح للوهبي.
2 - الشروح المنطقية المباشرة وأهميتها.
3 - تطور الشروح المنطقية المباشرة.
أولا: التعريق بالمقولات ومختصر الشرح للوهبي:
المقولات نظرية أرسطية لتصنيف الموجودات، لم تكن الأولى في تاريخ الفلسفة في هذا الصدد، لكن قُدِّر لها دون مثيلاتها الذيوع والانتشار، ونالت حظًا واسعًا من المناقشة بأقلام الفلاسفة الإسلاميين وغير الإسلاميين. وفي نظريته هذه حصر أرسطو الموجودات في عشرة أجناس هي أعم الأجناس؛ أي أنه ليس هناك – وفقًا لرأيه - جنس أعم منها، وهي: الجوهر، والكم، والكيف، والإضافة، والأين، والمتى، والملكة، والوضع، والفعل، والانفعال(
[4]).
ويمثل كتاب المقولات أول أجزاء الأورجانون الأرسطي، وقد نال هذا الكتاب طوال تاريخه اهتمامًا واسعًا من الشراح والمتفلسفة قلَّ أن ينالها كتاب آخر، فشَرَحه من القدماء فوفوريوس الصوري، ووضع كتاب "إيساغوجي" مقدمة له، كما شرحه ثاوفرسطس، وثامسطيوس، والإسكندر الأفروديسي، وسنبليقيوس، ويحيى النحوي. وبعد أن تُرجم إلى العربية شرحه إبراهيم قويري، ومتى بن يونس، وأبو نصر الفارابي، وأبو سليمان المنطقي، وأبو الحسن العامري، وغيرهم(
[5]).
إلا أن معظم هذه الشروح فُقِد، ولم يبق منها إلا أقلها، ومن هذه الأخيرة بقي لنا نص نادر وعزيزٌ؛ عنوانه – كما أُثبتَ في مخطوطته الوحيدة لدينا – "تفسير معاني ألفاظ أرسطوطالس في كتاب المقولات؛ اختصار أبي محمد عبد الله بن محمد الوهبي"، وسأحاول التعريف بهذا الكتاب الذي يحيط به كثير من الغموض قبل السعي إلى إدماجه في سياقه التاريخي لشروح المقولات المباشرة التي أُنجزت باللسان العربي، وقبل اتخاذ نصوصه شواهد على القضايا التي تطرحها هذه الدراسة.
يوجد الأصل المخطوط لهذا الكتاب في مكتبة "أيا صوفيا" العتيقة بإسطنبول، وله نسخة مصورة على ميكروفيلم بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة تحت رقم (59 - فلسفة ومنطق). ومخطوط الأصل يقع ضمن مجموع، يشغل مختصر شرح المقولات منه بدأ من اللوحة رقم 85، وينتهي باللوحة 157؛ أي أن المختصر يقع في 73 لوحة. وتحتوي كل لوحة على 42 سطرًا مقسومة على التساوي بين صفحتين. وهو حجم كبير نسبيًا، مما يدفعنا إلى الحكم بأن الشرح الأصل لهذا المختصر هو من أطول الأعمال الإسلامية في "قاطيغورياس" - شروحًا كانت أو أعمالا مستقلة - إن لم يكن أطولها بإطلاق.
كُتبت المخطوطة من الداخل بخط النسخ، وإن كان الناسخ يخالف أحيانًا إلى خطوط أخرى كالرقعة. وخط المخطوطة عمومًا واضح بشكل كبير، لولا المشكلات الاستثنائية التي سببتها قلة معرفة الناسخ بالموضوع، أو تسرعه في إثبات عبارات الأصل الذي استند إليه؛ إذ غلبت عليه الحِرفة لا العلم.
وتحيط بالكتاب بعد ذلك مجموعة أخرى من المشكلات المتعلقة به نفسه، ولعل أخطرها هو عدم معرفتنا بمؤلفه: من يكون؟ ولا بزمان تأليفه: متى كان؟ والذي أُثبت في المخطوط هو فقط اسم المختصِر (أبي محمد عبد الله بن محمد الوهبي) الذي لا يقدم لنا المخطوط عنه هو الآخر إلا نزرًا يسيرًا من المعلومات.
وسنحاول السير مع بعض الفروض التي قد تساعدنا على كشف الحقيقة المتعلقة بهذا الموضوع، وأول ذلك افتراض أن تكون لابن رشد – أشهر الأسماء الواردة في تاريخ هذه الشروح - علاقة ما بهذا الشرح، فهل يمكن أن يكون الشارح الأكبر لأرسطو هو صاحب الشرح الأصل الذي اختصره الوهبي هنا؟
في آخر سطر من مخطوطتنا نعثر على نص ثمين كان من الممكن أن يساعد في الكشف عن حقيقة هذه المسألة برمتها، لكنه - على أي حال – اكتفى بأن يعطينا ضوءًا مهمًا نستمسك به، فنقرأ في آخر مخطوطتنا ما يلي: "فُرِغَ من تحريره(
[6]) يوم الخميس ثاني عشر من شهر جمادى الآخرة سنة سبعة عشر وستمائة"([7]). ونحن نعلم أن ابن رشد توفي سنة 595هـ، مما يعني أن بين وفاته وبين الانتهاء من "تحرير" هذا المختصر اثنتين وعشرين سنة، فالمعاصرة واردة.
والمشكلة هنا هي أن تاريخ "التحرير" المذكور ليس تاريخ الانتهاء من الشرح، ولكنه تاريخ الانتهاء من اختصار الشرح، وربما كان تاريخ النَّسْخ فقط، فهل يمكن أن يكون ابن رشد هو صاحب الأصل؟
من المؤكد أنه ليس له، أولاً لأن الكنية المكتوبة على المخطوط في صفحته الأولى (ابن المنسي) لا صلة لها بابن رشد من قريب أو بعيد، كما أننا لا نعرف لابن رشد - من خلال ببليوجرافيا مؤلفاته التي توردها كتب التراجم كما عند ابن الأبار وابن أبي أصيبعة - شرحًا مطوّلاً على "قاطيغورياس"، وسنعلم فيما بعد أن الشرح الأصل الذي بين أيدينا مختصرُه ربما يكون أطولَ عمل قدّمه المسلمون حول كتاب المقولات المنسوب إلى أرسطو.
أضف إلى هذا ما نجده من اختلاف في وجهات النظر في فهم بعض القضايا أو التعبير عنها بين ابن رشد وبين صاحب هذا الشرح، إضافة إلى اختلافهما في بعض الخصائص التأليفية، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
(أ) لم يستعمل شارحنا اسم "أرسطو" بهذه الصيغة، ولكنه يكتبه هنا - دائمًا وبلا استثناء - "أرسطوطالس"، في حين يشيع في تلخيصات ابن رشد وشروحه استخدام صيغة "أرسطو" إلى جانب الصيغة الأخرى.
(ب) استعمل شارحنا بضع مرات مصطلح "الفصل المتمِّم"(
[8]) بمعنى الفصل المقوِّم، والأول مصطلح غير معتاد الاستعمال عند ابن رشد.
(ج) وأهم مما سبق: اختلاف موقف كل منهما تجاه الشراح أو المفسِّرين الآخرين، فيبدو ابن رشد في الغالب إما حَكَمًا بين شارِحَين، وإما مصوِّبا لرأي بعض الشراح، مع نقل الرأي في الغالب بلفظه هو(
[9]). وأما صاحب شرحنا هذا، ففي أغلب أحيانه يستشهد بالشراح بنص كلامهم؛ بغرض زيادة التوضيح، أو الاستئناس لرأيه، أو بيان اختلاف الآراء في مسألة ما، وإن كان هذا لا يمنعه من أن يصوب ويخطئ، وينتقد ويشتد في انتقاده؛ يقول في بيانه لبعض المعاني: "أنا أحكي سائر أقاويل المفسرين له؛ ليتَّجه كلُّ متأمِّلٍ له بفَهْمِه نحوَ ما تُرْشدُه إليه قوَّةُ تمْييزِه وفكرِهِ"([10])، ويقول في نهاية حديثه عن مقولة الكيف: "فهذا عندي هو مرادُ أرسطوطالسَ في هذا الفصلِ، وسائرُ ما أَوْرَدَه المفسِّرونَ تضييقٌ وتناقضٌ"([11]).
(د) أَشْبَهُ كُتُبِ ابن رشد الباقية بهذا الشرح من ناحية الأسلوب المختار لبيان معاني الأصل، هو شرحه للتحليلات الثانية المطبوع ضمن كتاب "البرهان" بتحقيق د. عبد الرحمن بدوي، وكذلك "تفسير ما بعد الطبيعة" الذي حققه الأب بويج، فكلا الشارِحَين يبدأ فقرة الماتن في الكتب الثلاثة بقوله: "قال أرسطوطالس"، وبعد أن يورد قطعة من المتن يَفْصل بينها وبين شرحه لها بكلمة "التفسير"، كما أن الشروح الثلاثة هي من الشروح المطوَّلة. لكننا نلاحظ في شرحي ابن رشد خاصةً أسلوبيةً بارزة جدًا لا توجد لدى صاحبنا، وهي كثرة استخدام الفيلسوف القرطبي لكلمة "يريد" في بيان مقصود أرسطو بحيث نقرؤها في شرح "التحليلات الثانية" عشرات المرات، وكذلك الأمر بالنسبة لـ "تفسير ما بعد الطبيعة".
ليس ابن رشد إذن هو صاحب هذا الشرح لقاطيغورياس - والذي بين إيدينا مُخْتصَرُه - قطعًا، فسقط هذا الافتراض الأول الذي دعت إلى طرحه تلك الشهرة العالمية الطاغية لابن رشد في هذا اللون من التأليف.
فإذا انتقلنا إلى افتراض آخر، كان الأجدر بنا أن نتساءل: هل يمكن أن يكون أحد الأسماء المثبتة في الصفحات الأولى للمخطوط هو اسم مؤلف الشرح الأصل؟
وردت في الصفحة الأولى للمخطوط ثلاثة أسطر تتضمن ما يلي:
السطر الأول: شرح ألفاظ أرسطوطاليس في كتاب المقولات في المنطق
السطر الثاني: كتاب قاطِيغُورّياس [كذا بالشكل] لأرسطُطَاليس الحكيم
السطر الثالث: لابن المنسي
وقد جاء السطران الأخيران متوافِقَين في شكل الخط وحجمه والحبر الذي كُتِبا به، مخالفَين في هذا وذانك السطرَ الأولَ، حيث جاءا أكبر منه حجمًا (بنسبة 3: 1 تقريبًا)، وأثقلَ حِبْرًا، وبحروف النسخ، وجاء هذا السطر وَحْده بحروف الرقعة، وأكثرَ شبهًا بالخط والحبر الذي كُتب به المخطوط من الداخل، وإن اختلفا في نوع الخط.
والحق أن كلا العنوانين في السطر الأول والثاني لا يدل على محتوى المخطوط بالضبط؛ إذ يشير ثانيهما إلى قاطيغورياس نفسه، وأولهما إلى شرح له، في حين أن الكتاب بالفعل مختَصَر لشرحٍ على قاطيغورياس.
وإذا وضعنا هذا الأمر الأخير في الاعتبار، وأضفناه إلى ما سبقه مباشرة من قراءة للسطور الثلاثة، فربما يكون السطران الثاني والثالث منها إضافة متأخرة بخط آخر لغير الناسخ الأصلي(
[12])، وهذا يعني أن "ابن المنسي" المذكور قد يكون متملّك هذه النسخة، وليس مؤلفها، خاصة أن لقبه مذكور تحت عبارة "كتاب قاطيغورياس لأرسطوطاليس الحكيم" - التي قد تكون مجرد عبارة توضيحية - وليس تحت الشرح، ولا مختصَر الشرح، كما أن هذا اللقب غير مألوف في كتب التراجم والطبقات ولا كتب الفهارس - كما تبين لي خلال البحث الآلي المكرور.
وتنقلنا محاولات التنقيب عن جواب مقنع للسؤال عن واضع هذا الشرح على "قاطيغورياس" إلى الصفحة الثانية من المخطوط، وفيها نقرأ بعد البسملة ما يلي: "تفسير معاني ألفاظ أرسطوطالس في كتاب المَقُولاَت، اختصار أبي محمد عبد الله بن محمد الوهبي".
ففي أيدينا خيط مهم لمعرفة شيء عن العقول التي صنعت هذا العمل الفكري؛ إذ نعرف يقينًا أن المرحلة الأخيرة منه؛ أي مرحلة الاختصار قد تمت على يد "أبي محمد عبد الله بن محمد الوهبي". ولا يعنينا الآن أن نعرف مَن الوهبيُّ هذا؟ وأين ومتى كان يعيش؟ وهل له جهود علمية أخرى سوى اختصار هذا العمل؟ وإنما يعنينا في هذا السياق أن نستنطق عبارات النص (مختصر الشرح)؛ لعلها تشي بشيء يساعدنا في التعرف على اسم المؤلف. ومن العبارات المهمة جدًا في هذا الصدد ما يلي:
أ) قوله: "وقد بيَّنَّا مِرارًا أَنَّهُ وإنْ كان قد تُوجَدُ لبعضِ الأنواعِ فصولٌ مُساوِيةٌ للنوعِ؛ كقَبُولِ العِلْمِ للإِنْسانِ، والخِفَّةِ المُطْلَقَةِ للنَّارِ، فَلَيْسَ هذا الْمُخْرِجَ للفصولِ من أنْ يكونَ محمولُها عَلَى ذلك النوعِ وأَشْخَاصهِ بالتَّوَاطُؤِ"(
[13]).
ب) وقوله: "كما بيَّناه في شَرْحِنا الكبيرِ لهذا الكِتَابِ"(
[14]).
يشير المختصِر في العبارة الأولى إلى أن بعض الأنواع لها فصول يمكن أن تكون في جميع أفراد النوع؛ كقبول العلم بالنسبة للإنسان، والخفة للنار، وأن ذلك لا يمنع من حملها على أنواعها وأشخاصها على سبيل التواطؤ، وذكر أنه بيَّن ذلك "مرارًا". والحقيقة أنه لم يفعل، فهو لم يذكر هذه المسألة في المختصر إلا في هذا الموضع فقط. وهذا يعني أن التوحد مع النص الأصلي الذي هذا مختصَره قد بلغ مع المختَصِر ذروته، حتى لم يفرق بين الأصل وبين المختصَر، وهذا لا معنى له إلا أن المختصِر هو نفسه الشارح. ويدعم ذلك أمران:
أولهما: قوله: "بيّنَّا" فالضمير راجع إليه لا إلى شارح مستقل.
وثانيهما - وهو الأقوى: العبارة الثانية المذكورة آنفًا؛ أي قوله: "كما بيَّناه في شَرْحِنا الكبيرِ لهذا الكِتَابِ"، فالضمير راجع إلى المختصِر، وهو يتكلم عن شرح له على "قاطيغورياس"، وما هذا الشرح إلا أصل هذا المختصَر؛ لأنه لا يُعقَل أن يأخذ هذه العبارة عن شارح آخر ويتركها في مختصر الشرح كما هي. وأيضًا لا يعقل أن يكون لمختصِر هذا الكتاب شرح على "قاطيغورياس" ثم يذهبَ إلى غيره ليختصر كتابه في الموضوع نفسه.
إذن؛ صار من الراجح بشكل كبير أن مؤلف هذا الشرح على المقولات ومختصِرَه شخص واحد، وهو: أبو محمد عبد الله بن محمد الوهبي. والرجل لم يكن في هذا السلوك التأليفي بِدْعًا من الكُتَّاب والمصنّفين، فقد ألف ابن حيان الغرناطي (ت 745هـ) تفسير "البحر المحيط" واختصره بنفسه في "النهر"، وقَبْلَه اختصر ابن الجوزي (597هـ) كتابه "المنتظِم في تاريخ الملوك والأمم" وأسماه "مختصر المنتظم"، وقَبْلَهما اختصر عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ) كتابه "المغني في شرح الإيضاح" في كتاب آخر عنوانه "المقتصد"، وبعدهم أجمعين ألف ابن الجَزَريّ (ت 833هـ) "نهاية الدرايات في أسماء رجال القراءات"، ثم اختصره في كتابه الشهير "غاية النهاية في طبقات القراء"(
[15]).
ونلاحظ أن الأصل المطوَّل قد يأخذ شهرة ويُكتَب له البقاء أكثر من مختصَره أحيانًا، كما في حال "منتظم" ابن الجوزي، و"بحر" ابن حيان، وقد يحدث العكس فينال المختصَر الحظ الأوفر من الشهرة، أو البقاء، كما هي الحال في "غاية النهاية" لابن الجزري، و"مختصر تفسير معاني ألفاظ أرسطوطالس في كتاب المَقُولات" للوهبي.
والحق أن لقب "الوهبي" مألوف نسبيًا في كتب التراجم والطبقات، ومن أهم من حمله من أعلام المسلمين ما يلي:
- عدي بن عميرة بن فروة الوهبي الكندي (ت 40هـ) صحابي، وابنه عدي بن عدي (ت 121هـ) أمير الجزيرة؛ من التابعين. والنسبة هنا إلى جدٍّ وبطن من كندة، وهو وهب بن ربيعة بن معاوية الأكرمين(
[16]).
- محمد بن خالد الوهبي الكندي (توفي قبل المائتين)، روى عن ابن جريج وأبي حنيفة وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، قال أبو داود: لا بأس به(
[17]).
- أخوه أحمد بن خالد الوهبي (ت 214هـ) أحد من روى عنهم البخاري، لكن في غير جامعه الصحيح(
[18]).
- أبو عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن الوهبي المصري، من العلماء الرواة، ويُنسَب إلى جده "وهب" والدِ عبد الله بن وهب المصري. وممن روى عنه: أبو حاتم الرازي ومسلم بن الحجاج، وكان ثقة(
[19]).
ومن الطبيعي أن نتقدم بعد هذا خطوة أكثر إلى الأمام، فنجيب على الأسئلة السابق طرحها عن حياة "الوهبي" وعصره وشخصيته العلمية، لكن للأسف لم يتوافر لديّ من ذلك إلى الآن إلا النَّزْر اليسير، وهذا النزر اليسير الذي أقصده تمثله - أولاً - تلك العبارة التي خُتم بها الكتاب، وسبق الاستشهاد بها في موضع سابق، وتشير إلى تاريخ الفراغ من تحرير الكتاب، وتحدده بسنة 617هـ، فسواء أكان "التحرير" هنا يعني إتمام اختصار الشرح، وكانت العبارة من وضع أبي محمد الوهبي، أو كانت من وضع الناسخ، وعنى بها الانتهاء من النسخ، ففي كل الأحوال يبقى لدينا أن الوهبي لا يتأخر تاريخ وفاته عن هذا القرن.
ثم إن الشيخ "الوهبي" نقل هنا عن الشراح والمفسِّرين - المسلمين وغيرهم على السواء - في أكثر من خمسين موضعًا، وآخر هؤلاء وفاةً هو أبو جعفر الخازن (توفي حوالي سنة 400هـ)، فإن كنا لا ندري قطعًا هل كانت بين الوهبي والخازن معاصرة، أم أن صاحبنا متأخر عنه، فإن كثافة الاستشهاد بالآخرين – والتي لم تكن سلوكًا معهودًا في التأليف في القرن الرابع - قد ترجِّح الاحتمال الثاني، وقد يدعم هذا أن صاحب "الفهرست" يورد اسم معاصره أبي جعفر الخازن في عدة مواضع منه(
[20])، ولكنه لا يأتي على خبر للوهبي إطلاقًا، مع اهتمامه الواسع بمترجمي التراث اليوناني وشراحه.
ولو التفتنا إلى اهتمام الشارح بآراء أبي نصر الفارابي - وإن خالفه الرأي أحيانًا - فربما دلنا هذا على أندلسية الوهبي المحتملة، لسيره على عادة الأندلسيين في اهتمام أكثر مناطقتهم بآراء هذا الفيلسوف المشرقي، كما أن المشرقيين بعد طغيان طريقة ابن سينا في التأليف الفلسفي والمنطقي لم يعتنوا بتقديم شرح لأرسطو على الطريقة الرشدية المعروفة؛ أي بالتزام بيان آراء أرسطو بتتبع عباراته وفقراته بالبيان والتوضيح، دون خروج كبير عنها - والله أعلم بالصواب.
ولكن لا يقلُّ عن هذا الاحتمال قوةً أن يكون الوهبي من مناطقة المشرق، وأنه لم ينل هو ولا كتابه هذا حظًا مناسبًا من الاهتمام والشهرة – كما حدث لمعاصره أو مقاربه في الزمن: القاضي عمر بن سهلان الساوي (ت 540هـ) صاحب "البصائر النصيرية"(
[21]) – ويقوّي هذا الرأي أن الوهبيين المعروفين مشرقيون، وأن ابن حزم في "جمهرة أنساب العرب" لم يشر إلى دخول أحد من العرب يحمل هذه النسبة إلى الأندلس مع تتبعه الواضح لهذا الأمر في "الجمهرة" - والله أعلم بما هو صواب.
وأخيرًا بالنسبة للغات التي كان يعرفها الشارح، غير العربية؛ لغة الشرح: هناك إشارات مهمة في ثنايا الكتاب توحي بأن "الوهبي" كان على علم باللغة اليونانية، مثل قوله: "الشخص في اللغة اليونانية يُقال باشتراك الاسم لما لا يتجزَّأ، ويُقال للشخص الجزئي"(
[22])، وقوله: "وقد يَسْتَعملُ اليُونانيُّونَ لفظةَ "له" في المُتَغَايِرَينِ"([23]). وثمة إشارة أخرى خاصة باللغة الفارسية([24]) قد توحي بالأمر نفسه بالنسبة لها. وكل هذه سمات مشرقية.
وأما منهج التأليف الذي اختاره أبو محمد الوهبي في كتابه، فقد مضت الإشارة إلى بعض معالمه عند مقارنة المختصر ببعض شروح ابن رشد الفلسفية، وسأحاول تفصيل القول في هذا الجانب في السياق الحالي؛ فقد قسم الوهبي النص المشروح عمومًا إلى ثلاثة فصول:
الأول: يقدِّم بيانًا مجملا عن المقولات، بعد تمهيد قصير عن دلالات الألفاظ، وأقسام الجوهر والعرض من حيث حمله على غيره أو حمل غيره عليه طبيعيًا (كحمل العرض على الجوهر في قولنا: البياض في الجسم) أو منطقيًا (كحمل نوع الجوهر على أحد أفراده في قولنا: زيد إنسان).
والثاني – وهو أطولها – يفصّل القول في المقولات واحدة واحدة؛ ببيان معناها، وتحديد خصائصها.
وأما الفصل الثالث: فتناول فيه أنواع التقابل (التقابل بالإضافة، وبالتضاد، والتقابل بالعدم والملكة، وبالإيجاب والسلب).
وقد توافق في هذا التقسيم العام مع ما فعله ابن رشد في تلخيصه للمقولات، وهو – في الحقيقة – تقسيم تفرضه طبيعة النص الأرسطي. وإن كان من الممكن قسمة الفصل أو الجزء الثاني – الذي ترهل وامتد طويلا عندهما - إلى فصلين متقاربي الحجم؛ يفصّل أولُهما القولَ في مقولة الجوهر، في حين يفصل ثانيهما القول في مقولات العرض التسع الباقية.
وفي داخل النص قسّم الوهبي متن أرسطو إلى فقرات حسب ما يفرضه المعنى الجزئي البادي له، وأتبع كل فقرة بتحليل محتواها تحليلاً متوسطًا؛ لا هو بالطويل ولا القصير، وتجنب لأجل هذا الاستطراد الطويل الذي طغى على الشروح المنطقية المتأخرة.
واعتنى الوهبي كذلك بسد الثغرات التي عانى منها النص الأرسطي، فزاد في شرحه أشياء أضرب المنطقي الأول عن ذكرها، وإن التمس الشارح له الأعذار في تركه إياها – كما ستبين الأمثلة فيما بعد.
كما وجه الشارح إلى النص اليوناني بعض النقدات البنائية المهمة – وإن استعان في ذلك ببعض الشراح السابقين عليه – فذكر أن هذا المعنى أو ذاك زيد على النص اليوناني أثناء الترجمة، أو أنه كان في هامشه ثم أُقحِم عليه(
[25]).
كذلك استفاد الوهبي في بيان معاني أرسطو من جهود من سبقه من شراح المقولات عربًا وغيرَ عرب، ونقل عنهم في عشرات المواضع؛ خاصة حين تكون المسألة التي يعرض لها محل خلاف، أو قابلة لتعدد وجهات النظر، فإن لم يبد له رأي قاطع في المسألة يترك القارئ لكتابه بالخيار، وإلا رمى غيره من الشراح بأنهم لم يصيبوا المعنى الذي قصده المؤلف، وهذان مثالان لتقريب المقصود:
أ‌) في شرحه لقول أرسطو: "فَأَمَّا النوعُ والجِنسُ، فإنَّهُما يُقَرِّرانِ أيَّ شَيْءٍ في الجَوْهَر؛ وَذَلِكَ أنَّهما يَدُلاَّنِ عَلَى جَوْهَرٍ ثَانِي مَا" – ذكر الوهبي أنه أراد التفرقة بين الإجابة عن السؤال: أي شيء هو؟ حين يقال على العرض، والإجابةِ عنه حين يُقال على الجوهر؛ فمثلا حين نسأل عن الأبيض مثلا: أي شيء هو؟ يكون السؤال عن الكيف، وليس عن أشخاص مستقلٍ بعضُها عن بعض. في حين أننا حين نسأل عن الإنسان أو الحيوان: أي شيء هو؟ يكون معناه "أنهما يَخْتصَّان بالدلالة على أشياء غير محدودةٍ بالإشارة، مميَّزة من غيرها بالجوهر لا بالكيف"، وبيان ذلك أن الإنسان والحيوان يدلان على جواهر غير محدودة، في حين أن الأبيض يدل على حالة أو كيفية للجوهر(
[26]). ثم قال الوهبي: "فعَلَى هذا الوَجْهِ فَهِمتُ أنا معنى كلامِ أرسطوطالس في هذا الفصلِ، وأنا أحكي سائرَ أقاويل الْمُفَسِّرِينَ له؛ ليَتَّجِهُ كلُّ متأمِّلٍ له بفَهْمِه نحوَ ما تُرْشِدُه إليه قوَّةُ تمْييزِه وفِكْرِهِ"([27]). ثم ذكر في المسألة رأي خمسة من الشراح السابقين عليه. فنلاحظ هنا أن الشارح ليس لديه في المسألة رأي قاطع، فأورد رأيه الاحتمالي وما اجتهد به الشراح فيها، ثم ترك للقارئ اختيار ما ترجَّح لديه من هذه التفسيرات.
ب‌) وفي موضع آخر حاول أرسطو رفع إشكال قائم في دخول بعض المَلَكات والحالات تحت مقولتي الكيف والإضافة معًا، فأشار إلى أن دخولها تحت الكيف عامّ، وأما الإضافة فقد تدخل فيها أجناس هذه الملكات (كالعلم يقال إنه علم بشيء)، ولكن لا تدخل فيها أجزاؤها أو أنواعها (كالنحو لا يقال إنه نحو لشيء، ولا الكتابة كتابة لشيء). فبيَّن الشارح الوهبي هذا المعنى، ثم أردفه بقوله عن الكيف باعتباره جنسًا عاليًا له ذات وطبيعة خاصة: "ليس هو شيء غير هذه الجزئيات والأنواع الخاصة التي بها يقال لها "كيف". فأما الاعتبار بالعلاقة الإضافية التي تلحقه، فليس ذلك بما هو هذه الطبائع والذوات"، ثم عقب قائلا: "فهذا عندي هو مرادُ أرسطوطالسَ في هذا الفصلِ، وسائرُ ما أَوْرَدَه المفسِّرونَ تضييقٌ وتناقضٌ"(
[28]). إلا أنه لم يورد من أقوال الشراح الآخرين شيئًا في هذه المسألة([29]).
هذا فيما يخص الشرح المرموق الذي قدمه الوهبي للمقولات الأرسطية، وكثير مما أوردته فيه من معان متعلقة بالنهج التأليفي الذي سلكه الشارح هو من الأمور العامة التي تميز هذا اللون من التأليف عمومًا – كما سيبدو بعد قليل - وإن كانت لكل مؤلف شخصيته التي تميز عمله عن أعمال غيره.
ولأن هذا الشرح مما تأخرت جهود المحققين عن إخراجه إلى النور، فظل حبيسًا في دور المخطوطات إلى الآن، فربما أطلت الاقتباس منه في بعض المواضع؛ أملا في أن تتأكد قيمته وأهميته في حقل الدراسات المنطقية.
ثانيًا: الشروح المنطقية المباشرة وأهميتها:
نالت نصوص المنطق الأرسطي – كما أشرت - اهتمامًا واسعًا من العقل الإسلامي، وتنوعت ألوان هذا الاهتمام وتعددت، ولعل الشروح الملتصقة بالنص الأرسطي مباشرة تشرحه عبارةً عبارة وفِقْرةً فقرة، ملتزِمةً في ذلك رأي الماتن في كل ما يقول أو أكثره – لعلها من أهم ألوان الاهتمام الإسلامي بفكر أرسطو، خاصة بالنسبة للمهتمين بتراث هذا الفيلسوف القديم نفسه، وآية ذلك تتبدى في غَلَبة التأثر والرعاية الغربية لكتابات ابن رشد (الشارح الأكبر) وآرائه على رعايتهم لفكر غيره من الفلاسفة الإسلاميين إبان النهضة الأوروبية وطوال قرون عدة.
ولهذا اللون من الشرح أسس أو أصول عامة قام عليها، مهما اختلف الفن الذي ينتمي إليه الأصل، ويتمثل أبرز هذه الأصول فيما يلي:
1 - اعتماد طريقة التحليل والتشريح الجزئي للنص:
فلا يعمد الشارح إلى بيان النص جملة – كما هو حال الفارابي فيما بقي لنا من شروحه على أرسطو – ولا يكتفي بإيراد المعاني عن ذكر منطوق النص، وإنما يقسمه فقرات تشرح كلُّ واحدة منها فكرةً أو أكثر من أفكار المصنِّف(
[30]).
وعادة ما يوظف الشارح في تحليله لهذه النصوص الجزئية جميع معارفه وعلومه؛ سواء أكانت دينية أو لغوية أو فلسفية – خاصة في الشروح المطولة - ليكشف قدر طاقته عما اشتمل عليه النص من معان. ومن هنا كانت هذه الشروح ذخائر لمعرفة ثقافة المؤلف والمعارف التي يتقنها.
وحين نطبق هذا على مختصر شرح الوهبي للمقولات، سنجد ما يدلنا على اتساع نطاق المعرفة وتنوعها لدى الشارح وشمولَها للعقليات والشرعيات واللغويات في عصره؛ فأما نصيبه من العلوم العقلية التي ينتمي إليها النص المشروح، فإن تمكنه منها يظهر في طول الشرح وعرضه، ويتجاوز حدود المنطق إلى غيره من فروع الفلسفة، خاصة فلسفة أرسطو. ويتضح ذلك خاصة في المواضع التي يُجمِل فيها نص أرسطو القول في قضية ما، مع تفصيل الفيلسوف اليوناني لها في كتاب آخر، أو حين يتعدد رأيه في مسألة من المسائل من كتاب إلى آخر، ومن ذلك مثلا تحديد نوع الدلالة التي يحملها لفظ "الوجود" عند أرسطو، حيث ذكر الوهبي أن الوجود عند الفيلسوف اليوناني يقال باشتراك الاسم "بحسب الاعتبار المنطقي...؛ لأن المعتَبَر فيه الإِضَافَاتُ الَّتِي بِحَسَبِ المشاركة والمبايَنة، وإِضَافَةُ كلِّ واحد من المَقُولات التسعة إلى الجَوْهَر بِحَسَبِ وجودِها له عَلَى النظر المنطقي مخالِفةٌ لإِضَافَة الآخَر"(
[31]). وأما بحسب النظر الطبيعي، فإن دلالة لفظ الوجود على المقولات هي دلالة اتفاق؛ "وَذَلِكَ أنها مختلفة المراتب في التقدم والتأخُّر والأحقِّ والأقدم في معنى الوجود"([32]). وأما في الاعتبار الميتافيزيقي "الَّذِي هو النظر في مجرد الذوات بما هي ذوات، فَلَيْسَ يلحقها شَيْء من ذلك (أي مما مضى في النظرين المنطقي والطبيعي) في معنى الموجود، فيكون الموجود مَقُولاً عليها كلِّها بالتواطؤ"([33]).
ولعلنا حين نناقش هذا الرأي في علاقة لفظ الوجود بما يقع تحته؛ أهو جنس وهي أنواعه، أم ماذا؟ – لعلنا حين نفعل هذا ستقع نظرية المقولات الأرسطية – حسب هذه الاعتبارات الثلاثة لمعنى الوجود - في مأزق خطير؛ وذلك أن أرسطو وضع نظرية المقولات ضمن المنطق، واشترط في دخول الجزئيات تحت كلِّيّها بالاعتبار المنطقي أن يدل عليها دلالة تواطؤ؛ أي على سبيل تساويها في الانتماء إليه؛ لهذا لم يعتبر أرسطو الوجود جنسًا أعلى لما يدل عليه. إلا أننا حين نفهم طبيعة المقولات سنجد أنها مسألة ميتافيزيقية، وليست منطقية؛ وذلك أن المنطق علم للقوانين التي يُميَّز بها صحيح الفكر من فاسده، وأما الميتافيزيقا، فتهتم بدراسة الموجود من حيث هو موجود؛ أي أنها تعالج القوانين والأحكام التي لا تخص موجودًا دون موجود؛ ككون الموجود ممكنًا أو واجبًا، وكونه بالفعل أو بالقوة، جوهرًا أو عرضًا.. إلخ. ومن الجلي – وفقًا لهذا – أن نظرية المقولات تنتمي إلى الميتافيزيقا، وليس إلى المنطق. ولفظ الوجود في الاعتبار الميتافيزيقي – كما أشار الوهبي ونسبه إلى أرسطو – يدل على جزئياته دلالة تواطؤ، فهو إذن جنس لها، وهي أنواع له، فلا تكون أعم الأجناس كما ذهبت نظرية المقولات الأرسطية، وإنما يعلوها جنس أعم هو "الموجود".
مهما يكن، فقد استعان الوهبي بمؤلفات أرسطو الأخرى في مثل هذه المواضع أكثر من عشرين مرة، مثل: كتاب الخطباء أو الخطابة، والسماء والعالم، والسماع الطبيعي، وكتاب الشعراء أو الشعر، والعبارة أو بارمينياس، والكون والفساد، وما بعد الطبيعة أو ما بعد الطبيعيات.
كما يبدو طرف من معرفة الشارح بالعلوم الشرعية من خلال إشارات قليلة وعاجلة وردت بالشرح الذي لا تبدو لموضوعه علاقة قوية بعلوم الدين وفقًا للتناول المعتاد لهذه الموضوعات حينئذ، ومثال ذلك قوله: "والعموم يكون عَلَى ضربين: أحدهما يدخل فيه الاختصاص بجهة ما، كما يُقال: المسجد عام بين المصلين فيه؛ بمعنى من سبق إليه كان أحق به..."(
[34]). وفي موضع آخر أشار إلى أن المَلَك يشارك الإنسان في الناطق، ويباينان به أجناس الحي الأخرى، كما يشترك الإنسان والبهيمة في المائت، ويباينان به المَلك([35])، في إشارة منه إلى أن الملائكة يبقون بعد خلق الله لهم أحياء إلى يوم القيامة، حيث يموتون وتموت الخلائق كلها، ثُمَّ يبعثهم الله – تعالى – مع غيرهم من الخلق.
وأما لغة الشارح، فهي لغة فلسفية محكمة، تعبر عن المعاني بلغة رصينة وجلية، وتستخدم المصطلح الفلسفي بعد أن استقر في لسان العرب، وإن خالف قليلا في استعمال مصطلح "الفصل المتمم" إلى جانب "الفصل المقوِّم"(
[36]) بمعنى واحد؛ أي الذي يميز أفراد نوع أو أنواع جنس عن أفراد الأنواع أو أنواع الأجناس الأخرى، في مقابل "الفصل المقسِّم"؛ أي الذي ينقسم به الجنس إلى أنواعه، ومثاله: الناطق: فهو بالنسبة للإنسان فصل مقوِّم يعبر عن ذاته ويميزه عن غيره من أنواع الحيوان، وبالنسبة لجنس الحيوان يقسمه إلى حيوان ناطق وحيوان غير ناطق.
إلا أن في شرح الوهبي – كما تظهره المخطوطة القديمة - هناتٍ لغوية نادرة لا يبدو أنها من أخطاء النساخ، ومن ذلك أنه استعمل الفعل "أتبع" استعمالا مشكِلاً، ففي حين نجد أن القرآن الكريم يعدِّيه إلى مفعوليه مباشرة - حين يستعمله متعديًا لمفعولين - كما في قوله تعالى: (ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أذًى) (سورة البقرة: 262)، وقوله: (فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا) (سورة المؤمنون: 44) - في حين نجد هذا في القرآن، فإن الشارح يعدِّي "أتبع" في غالب أحيانه إلى مفعوله الثاني بالباء. ولا بأس بهذا، حيث إنها لغة فيه، ولكن المشكلة أنه تارة يُدخل الباء على المتبوع، وتارة يدخلها على التابع، بمعنى أنه يسوّي بين قولنا: أتبع الأول بالثاني، وقولنا: أتبع الثاني بالأول، وكأنه اعتبر السياق حاكمًا أو محدِّدًا للمتقدم منهما والمتأخر.
2 - موافقة الشارح للمؤلف في مجمل ما تضمنه النص المشروح من آراء ومواقف علمية:
يقوم هذا اللون من الشرح على موافقة الشارح للمؤلف في مجمل مواقفه العلمية؛ حتى يتفرغ لبيان مقاصد المصنف وشرح معانيه، وحتى يكون هناك معنى لتجرده لشرح النص؛ إذ إن معنى اختيار الشارح لتوضيح معاني هذا النص أو ذاك هو أنه يرى أن فيه ما يستحق التوضيح والبيان، وإلا لكان يكفيه اختصاره وتخليصه مما لا يراه مقبولا من الآراء، كما هو الحال في مختصرات "إحياء علوم الدين" التي تتابع عليها بعض علماء الحنابلة؛ كابن الجوزي في (منهاج القاصدين)، ثم المقدسي في (مختصر منهاج القاصدين).
ويترتب على هذا ضرورة ألا يكثر الشارحُ الاعتراضَ على المصنِّف، وإلا كان الأولى به أن يكتب لا شارحًا له، ولكن مفنِّدًا لآرائه، ورادًّا عليه في لون آخر مختلِفٍ من التصنيف. ونلمح لأجل ذلك اعتراض النصير الطوسي على انتقاد الفخر الرازي وطعنه المكرور على ابن سينا في ثنايا شرح الفخر لإشارات الشيخ الرئيس، وإن كان الطوسي لا يرى بأسًا بتصحيح الشارح لخطأ المتن الذي ليس له وجه من الصحة يمكن أن يُحمَل عليه(
[37]). وقد عبر بعضهم عن هذا الموقف، فسمى شرح الرازي هذا "جَرحًا"([38]).
ويلزم الشارح كذلك – وفقًا لما يبدو أنه كان من الأصول المتفق عليها في هذا اللون من التأليف، وإن كان مسكوتًا عن التصريح به – يلزمه التأني في الحكم على رأي المؤلف بالبطلان، وترك العجلة في تخطئته، خاصة حين يكون المؤلف من القدماء المشهود لهم بالتمكن في العلم. وفي هذا الصدد أشار ابن العبري إلى كتاب لابن بطلان البغدادي، خصص أحد فصوله للبحث "في أن من عادات الفضلاء عند قراءتهم كتب القدماء ألا يقطعوا في مصنِّفها بطعن إذا رأوا في المطالب تباينًا وتناقضًا، لكن يخلدوا إلى البحث والتطلُّب"(
[39]).
ومن اليسير أن نلحظ هذا كله في مختصر شرح الوهبي على مقولات أرسطو؛ إذ بدا الشارح أرسطي النزعة والرأي؛ يدفع عن موقف الماتن الفكري، ويبين وجاهته، ويرد على آراء المخالفين له إن خالفه فيه أحد، ومن أمثلة ذلك: تعرضة لمناقشة الخلاف الشهير حول عدد المقولات(
[40])، والتي بلغ بها أرسطو عشرًا، وزاد بعضهم على ذلك باعتبارات، ونقص منها بعضهم باعتبارات أخرى. يقول الوهبي بعد أن يذكر أن أرسطو حصر المقولات في عشر بالاستقراء: "فَأَمَّا جميع من خالف أرسطوطالسَ في ذلك، فهو إما أن يدَّعيَ أن عدد المَقُولات أقلُّ من هذه، فإذا بُيِّن له زيادةٌ عَلَى ما يدَّعيه، فقد بطَلَ قولُه، وإما أن يَدَّعي أنها أكثر منها، فإذا بُيِّن له أن الَّذِي يدَّعيه داخلٌ في هذه، فقد بَطَلَ أَيْضًا قولُه، وإما أن يبدِّل شَيْئًا بشَيْءٍ، فإن كان مِنْ جِهَة العبارة فقط؛ كالقُنْيَة وله، وكالنُّصْبةِ والْوَضْع، فلا يُنازَع، وإن كان مِنْ جِهَة الْمَعْنَى؛ كالحركة بدل "يفعل" و"ينفعل"، فنبين له أن الحركة من المتفقة أسماؤها، ولا تكون جنسًا عاليًا"([41]).
فما زيد من مقولات على ما قال به أرسطو – حسب هذا الرأي – راجع إلى ما أثبته، وما نُقص عنه منها راجع إلى الجمع بين اعتبارات وحالات في الجوهر ليس من حقها الجمع. وأما من يرى تبديل مقولات أرسطية بأخرى من خارجها؛ فإن توقَّف التبديل عند مجرد الاصطلاح، فلا يرى الوهبي ذلك من الاختلاف الذي يستحق الجدل. وأما إن أتى الناقد بمقولة جديدة بديلا عن مقولة أو أكثر مما قال به أرسطو، كمن يضع الحركة في أعم الأجناس، ويخرج منها مقولتي الفعل والانفعال، أو يجعل الوجود تعم المقولات العشر، أو العرض مقولة بدلا من مقولات الأعراض التسع، فإن الوهبي لا يرى شيئًا من ذلك حقيقًا بالاعتبار ضمن أعم الأجناس؛ وذلك لأن من شرط ما يُعتبَر جنسًا عامًا أن يدل على أفراده دلالة تواطؤ، لا اشتراك ولا اتفاق، وهذا غير متوافر لا في الحركة ولا العرض ولا الوجود.
3 - أن يكمل الشارح ما يلزم مما أهمله المصنِّف ويذكر المسوِّغ لترتيب المسائل وللتقديم والتأخير والاختصار حين تقع في الأصل:
فإن أهمل الماتن شيئًا يذكر الشارح لماذا أهمله، وإن اختصر شيئًا يجتهد في إيراد سبب اختصاره له، وإن قدم أو أخر سعى إلى معرفة السبب في هذا وذاك. وقد يبدو ذلك السلوك التأليفي تجاوزًا للنص الأصلي، إلا أنه في الحقيقة يدخل ضمن العملية الشاملة لتحليل معاني النص، فإن كان بيان النص جزءًا جزءًا يسهم في إيضاح معاني الوحدات الصغيرة منه، فإن إيراد مسوِّغات الترتيب والتقديم والتأخير والاختصار يربط هذه الوحدات ضمن نسق عام يقاوم التأثير السلبي للانقطاعات التي تحدث مع فصل كلام الشارح من وقت إلى آخر بكلام المتن.
والحق أن الوهبي قد نجح بقدر كبير في خدمة نص أرسطو من هذه الناحية، وهذه أمثلة على ذلك:
1 – أورد أرسطو في نص المقولات بعض أقسام الألفاظ من حيث دلالتها على المعاني، وهي: المتفقة، والمتواطئة، والمشتقة. ولم يذكر المترادفة والمتباينة، فقام الشارح إزاء ذلك بأمرين: الأول تعليل سبب هذا الإهمال، فنقل عن بعض الشراح السابقين وجهة نظرهم في المسألة دون أن يرجّح منها رأيًا بعينه، ثم قال بدوره عن المترادفة والمتباينة: "ونحن نذكر حدَّيهما وشرائطهما؛ فَأَمَّا المتباينةُ أسماؤها فَهِيَ الَّتِي تكون أسماؤها الخاصَّةُ مختلفة، وحدودها الَّتِي بِحَسَبِ أسمائها الخاصةِ أَيْضًا مختلفة؛ كالإنسان والفرس. وشرائطُها: أن لا يكون المقصود بها طبيعة واحدة، وأن يكونا من لغة واحدة... وأما المترادفة أسماؤها، فَهِيَ الَّتِي أسماؤها مختلفةٌ، والحدودُ الَّتِي بِحَسَبِ كلِّ واحدٍ من تلك الأسماءِ واحدةٌ بأعيانِها؛ كالسَّيفِ والصِّمْصامِ، وشرائطُها: أن يكون المقصود بها طبيعة واحدة، ويكون في لغة واحدة"(
[42]).
2 – وفي مثال آخر، لعله أهم بالنسبة لموضوع الكتاب، اكتفى متن أرسطو في الحديث عن مقولات أين ومتى والوضع وله بإيراد أمثلة عليها فقط، خلافًا لما اعتاده من التفصيل في ذكر مقولات الجوهر والكم والكيف والإضافة؛ بتعريف كل مقولة على حدة، والإسهاب في إيراد خصائصها، وحل بعض الإشكالات المتعلقة بها. وقد قام الوهبي إزاء هذا بإرجاع القارئ إلى مصادر أرسطية أخرى حوت تفصيلا عن هذه المقولات، ثم قدم هو تلخيصًا حول كل مقولة منها، يقول: "ونَحْنُ نُورِدُ في كلِّ واحدٍ منه فَصْلاً يَتِمُّ معه الغَرَضُ بِحَسَبِ قَصْدِنَا من هذا التفسيرِ، فأقولُ: إنَّ "أين" هو الْمَعْنَى المعقولُ من نسبةِ الْجِسْمِ إلى مكانِه الخاصِّ به من حيث هو مُتَمَكِّنٌ فيه، وليسَ هو المكانَ ولا المتمكِّنَ ولا الإِضَافَةَ. ولكلِّ جسمٍ طبيعيٍّ أينٌ موجودٌ إمَّا بذاتِه والإِضَافَةِ جميعًا وإمَّا بالإِضَافَةِ فقط. والأينُ بذاتِه إمَّا خاصٌّ كالمكانِ الَّذِي يَخْتَصُّ به ذلكَ الْجِسْمُ، وإمَّا عامٌّ كقولِنا: في الدارِ وفي السوقِ، وإمَّا بِحَسَبِ الإِضَافَةِ كقولِنا: فوقَ وأسفلَ ويَمْنةً ويَسْرةً وقُدَّامَ وخَلْفَ وحَولَ ووَسَطَ ومَا يَلِي وعِنْدَ ومَعَ وعَلَى، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وليس يُوجَد للعالَمِ بما هو عَالَمٌ أينٌ بتَّةً إلاَّ عندَ تفصيلِ أَجْزَائِه؛ إذ لا موجودَ غيرُه. ولا يُوجَدُ للفَلَكِ التاسعِ أينٌ إلا عَلَى سبيلِ الإِضَافَةِ... إلخ"(
[43]).
3 – ومن أمثلة تسويغه لتقديم شيء على شيء قوله: "وَإِنَّمَا قدَّم أرسطوطالسُ المتفقةَ أسماؤُها عَلَى المُتَوَاطئةِ؛ لأنَّه أَقْوَى شُيُوعًا في الأمورِ من سائرِ الأقسامِ، ولأنَّ نَفْسَ المَقُولةِ من المتفقةِ أسماؤها، ولأنَّها أَبْسَطُ أَيْضًا من المتواطئةِ؛ لأن الاتفاق فيها مِنْ جِهَة واحدة"(
[44]).
على أية حال، فهذه أهم الأسس والمبادئ التي قام عليها هذا اللون من التأليف، والذي دُعي في هذا الدراسة بالشروح المباشرة. وقد نلمح لهذه المبادئ تأثيرًا خطيرًا في مسار العلم في الحضارات التي أولت الشروح المباشرة اهتمامًا أكثر من اللازم؛ لأن المتن هنا يقف عقبة في سبيل أن يبدع الشارح شيئًا يستقل به عن الماتن. وإن كنا – على أية حال – لا نستطيع أن نطرد هذه القاعدة إلى نهايتها وفي كل الأحوال؛ إذ كان للتأويل – خاصة التأويل البعيد – دوره المهم في الخلاص من التبعية التامة للأصل، كما أن عبقرية بعض الشراح قد جعلت النص تابعًا أكثر منه متبوعًا(
[45]).
وفي مقابل هذا لمح الدكتور عبد الرحمن بدوي في مقدمة تحقيقه لـ "عيون الحكمة" لابن سينا شيئًا إيجابيًا بالنسبة لتاريخ الفكر عمومًا تعلق بهذا اللون من الشروح، ويتمثل في أنها "فرصة لفلاسفة وشراح لاهوتيين وعلماء كلام ليعرضوا مذاهبهم الخاصة، أو ليقدموا من المواد والمعلومات التاريخية ما فيه الفائدة كل الفائدة، ولولاه لضاع الكثير من الأخبار عن مذاهب ومؤلفين فُقِدت كتبهم"(
[46]).
* * *
على أية حال، فقد خدم المسلمون نصوص المنطق الأرسطي بطريقة الشرح المباشر - وفقًا لأصولها المذكورة آنفًا - منذ وقت مبكِّر، إلا أن متابعة البحث في تاريخ هذا النوع من الشروح ليس بالهين اليسير؛ وذلك لأن الاصطلاح "شَرْح" أو "تفسير" لم يكن دائمًا يعني لدى القدماء هذا اللونَ من التأليف، في الوقت الذي نقرأ فيه عن تفاسير وشروح كثيرة لأرسطو أنجزها المسلمون دون أن تصل إلينا أصولها، وإن كنا قد نتصيد نتفًا منها هنا ونتفًا هناك.
وإذا كنا لا ندري ماذا تعني بالضبط كلمة "تفسير" التي قيل إن الكندي (ت 252هـ) تعامل بها مع بعض نتاج أرسطو الفلسفي، فإننا نعلم قَطعًا أن شروح الفارابي (ت 339هـ) التي بين أيدينا على منطق أرسطو لم تكن من هذا اللون من الشرح الذي يعالج النص مباشرة، وإنما عبَّرت فقط عن فهم الفارابي - العام أو التفصيلي – للنص وعن اجتهاداتِه حوله بدون ارتباط بألفاظ النص ومعانيه بدقة؛ ولهذا لن نفاجأ باختلاف وجهات النظر بين أرسطو والفارابي في بعض القضايا المنطقية. وعلى طريقة الفارابي هذه مضى آخرون في مؤلفاتهم المنطقية، وأهمهم بإطلاق الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا الذي كان أكثر انفصالا من سَلَفِه عن حرفية النصوص الأرسطية.
ولا يعني هذا الغموض أن الباب موصد تمامًا في وجه من يبحث في هذا الموضوع، ويسعى إلى الكشف عنه، حيث إننا بشيء من التتبع والتنقيب سنجد أنه - بالنسبة لكتاب "المقولات" على الأقل - لم يخل قرن - منذ استقرت ترجمته عربيًا على يد إسحاق بن حنين (ت 298هـ) وزملائه - من شارح أو أكثر من هذا النوع يتصدى لنص "المقولات" بالشرح والبيان، حتى بلغ هذا الأمر ذروته – ونهايته فيما يبدو - على يد الشارح الأكبر ابن رشد القرطبي، وذلك كما يلي:
1 - في القرن الثالث نفسه أنجز إبراهيم قويري(
[47]) شروحًا على المقولات وغيرها من أجزاء الأورجانون يصفها أحد المختصين بدراسة تاريخ المنطق العربي بـ "الموسَّعة"، إلا أنها لم تحظَ بالقبول لإغلاق عبارتها وافتقارها إلى الدقة([48]). وقد استشهد صاحب مخطوط "تفسير معاني ألفاظ أرسطوطالس في كتاب المقولات" بعبارات لقويري لا تفتقر إلى الوضوح في الحقيقة، وإن كنا لا نستطيع من خلالها الحكم على عموم شرحه على "قاطيغورياس" من هذه الناحية، ومن ذلك قوله في المقارنة بين الأنواع والأجناس الأولي وبين الأنواع والأجناس الثانية: "الإنسانُ والحيُّ يجبُ أنْ تُوصَفَ ثانيَ شَيْءٍ؛ لأنَّ المَوْضُوع <فيهما>([49]) ليسَ بواحدٍ بمنزلةِ الجَوْهَر الأوَّلِ الَّذِي مَوْضُوعُه واحدٌ بالعددِ والأزمنةِ؛ لأنَّ <ذاتَه>([50]) وفِعلَهُ هما "أيُّ" فقط؛ أي كيفيةٌ فقط. وأمَّا النوعُ والجنسُ بمثالِه: الإنسانُ والحيُّ، وإنْ كانا <يوصفان بأيّ>([51])، فَلَيْسَ ذلك بقولٍ مُطْلَقٍ؛ لأنَّهما إنَّما وُصفا بذلك لأنَّهما يَفْصِلانِ بين بعضِ الجَوَاهِر وبينَ بعضِها، لا بلْ إذا سُئلْتَ: أيُّ جَوْهَر هو سقراطُ؟ قلتَ: هو إنسانٌ، أو حيٌّ، فَأَمَّا ذواتُهما فموصوفةٌ بـ "ما"([52]). ويقول قويري عن الكم المنفصل على ما نقل الوهبي عنه: "أرادَ به الكميَّةَ الحقيقيةَ؛ مِثلَ: الخَطِّ والسطحِ وسائرِ أنواعِ الكمِّ؛ إذ ليس فِي شَيْءٍ منها تَضَادّ، فَأَمَّا الصغيرُ والكبيرُ، فَلَيْسَا في الحقيقةِ من الكَمِّ، بل إنَّما يَلْحَقَانِهِ بتَوسُّطِ الْمُضَافِ"([53])، وقال قُوَيري: "لا أَمْنَعُ أنَّ بعضَ الجَوَاهِر أفضلُ من بعضٍ، لكنِّي أَمْنَعُ الزِّيَادةَ والنُّقْصانَ بِحَسَبِ المَاهِيَّةِ"([54]).
2 - في القرن الرابع جاءت شروح متى بن يونس (ت 328هـ) وأبي سليمان المنطقي (ق 4هـ) وأبي الحسن العامري (381هـ)، والتي احتفظ لنا مختصَر تفسير الوهبي بنصوص منها تعطيه أهمية خاصة، من ذلك قول متى(
[55]): "الجَوَاهِر الثَّوَانِي ليسَ تدلُّ عَلَى كيفيةٍ مُطْلَقةٍ؛ لا إنسانٍ ولا حيوانٍ ولا ثَلْجٍ ولا إسفيداجٍ، لكنْ إمَّا كيفيةٍ وإمَّا كيفٍ؛ أيْ لونٌ أو ذو لونٍ من غيرِ أنْ يكونَ جَوْهَرا بِعَيْنِهِ، فَأَمَّا <أنَّ> النوعَ والجنسَ من الجَوَاهِر الثَّوَانِي، فإنَّهما يدلاّنِ عَلَى "أيِّ شَيْءٍ"، عَلَى أنَّهما يُقرِّرانِ أيَّ شَيْءٍ، وَذَلِكَ الَّذِي هو "أيُّ شَيْءٍ" الَّذِي يقرِّرانِهِ هو جَوْهَر"([56]). وقول أبي سُلَيْمانَ المنطقي([57]): "الْجِسْمُ بما هو جَوْهَرٌ ذو أبعادٍ ثلاثةٍ([58])، فَأَمَّا الْجِسْمُ الَّذِي هو من الكمِّ، فالمقاديرُ المحدودةُ الَّتِي تَلْحَقُ هذا الْجِسْمَ بِحَسَبِ كونِهِ ذا ذِرَاعينِ مثلاً أو ذا ثلاثةِ أذرعٍ. وقِسْمةُ هذا الْجِسْمِ بِحَسَبِ الصورةِ إلى: المنشور والمائي([59]) والناري واللولبي والأسطواني وغير ذلك، وبِحَسَبِ الإِضَافَة كالمحيط بغيره والمحاط به، وبِحَسَبِ الْوَضْع كالمنتصب والمنحني"([60]). وقول العامري([61]): "الْجِسْمُ المتحرِّكُ - كالماءِ الجَارِي والحَجَرِ الهاوِي واللَّهَبِ المُشْتَعِلِ والأجرامِ العاليةِ - في حالِ مُلابستِه الحركةَ لا يُمكِنُ الإشارةُ إلى أَجْزَائِهِ؛ لِعَدَمِ الثباتِ في المَوْضِعِ، بِحَسَبِ ما هو في المكانِ، لا بِحَسَبِ مَا هُو جِسْمٌ"([62]). ولكن يبدو أن هذه الشروح كانت عبارة عن حواش وتعليقات مطولة على ترجمة إسحاق لقاطيغورياس، وليست شروحًا كاملة([63]).
3 - ثم قدَّم أبو الفرج بن الطيب (ت 435هـ) المعاصر لابن سينا شرحه المستفيض على "المقولات" في القرن الخامس أو على أعتابه على الأقل. ولهذا الشرح مخطوط محفوظ بدار الكتب المصرية وله صورة ميكروفيلم في مكتبة معهد المخطوطات العربية أجود من الأصل (رقم 56 فلسفة ومنطق). وهو من الآثار الثمينة الباقية في هذا الموضوع، وينافس مختصر شرح الوهبي في قيمته الرفيعة.
4 - وأخيرًا جاء مشروع ابن رشد (ت 595هـ) الشامل لشرح أعمال أرسطو في القرن السادس الهجري، ونالت "المقولات" نصيبًا من اهتمامه في هذا الجانب، وإن كان بمثابة التدقيق لترجمة النص أكثر منه شرحًا له.
ويعنينا الآن أن نسلك هذا الكتاب – أعني "مختصر شرح ألفاظ أرسطوطالس في كتاب المقولات في المنطق" لأبي محمد عبد الله بن محمد الوهبي – نسلكه زمنيًا في سِلْك هذه الكتب التي خدمت نص "المقولات" اليونانيَّ بالشكل المباشر الذي يحتفظ للأصل بأفكاره مع بسطها وبيانها.
والحق أننا لا نملك شيئًا قاطعًا بهذا الخصوص؛ وذلك لما سلف من قلة المعلومات الخاصة بالمؤلف وتاريخ تصنيف الكتاب. ولعله يقع في مرحلة زمنية متقدمة قليلا على ابن الطيب، فقد نقل الدكتور محمد مهران في مقدمة ترجمته لكتاب نيقولا ريشر "تطور المنطق العربي" عن المحقق الإيراني محمد دانش بيجوه أن للعامري "حاشية على مقولات أرسطو، تحتوي على أجزاء من تفسير معاني ألفاظ أرسطو في كتاب المقولات تتشابه مع ما جاء في كتاب المقولات لأبي محمد عبد الله بن وهبي، ومع أقوال قويري شارح أرسطو، والخازنِ وآخرين"(
[64])، فلولا أن الوهبي نقل في شرحه على المقولات عن العامري صراحة – كما سلف – لقلنا - وفقًا لنص بيجوه - بتقدم الوهبي زمنيًا على العامري، وهو أمر يوهمه النص المذكور، إلا أن نقله عن العامري يثبت تقدم العامري، وعدم نقل الوهبي عن أبي الفرج بن الطيب قد يعني أن الأخير متأخر عنه.
ثالثًا: تطور الشروح المنطقية المباشرة:
يطرح السياق الحالي لهذه الدراسة سؤالا قد يبدو متأخرًا عن موضعه، لكنني تعمدت تأخيره إلى هذا الموضع حتى أناقشه في إطار أوسع، والسؤال هو: لم كان الاهتمام الأكبر من شراح منطق أرسطو خاصًا بكتاب المقولات دون أجزاء المنطق الاخرى؟
والحق أن الإجابة عن هذا السؤال ستدخل بنا إلى البحث في التطور الذي آلت إليه الشروح العربية المباشرة على منطق أرسطو. لقد بدا كتاب "المقولات" المنسوب إلى المنطقي الأول ثريًا في محتواه، ومختصرًا في ألفاظه؛ إذ يعرض فيه مؤلفه لموضوع ميتافيزيقي واسع في عدد من الصفحات لا يتجاوز في الترجمة العربية - وفقًا لطبعته الحديثة - خمسًا وأربعين صفحة؛ أي حوالي 5% من مجمل الأورجانون الأرسطي. وهذا بيان بما شغله كل جزء من الأورجانون المعرَّب من صفحات في الطبعة المذكورة:
المقولات: من ص 33 : ص 76 = 45 صفحة
العبارة: 99 : 133 = 35 صفحة
التحليلات الأولى: 137 : 316 = 180 صفحة
التحليلات الثانية: 329 : 485 = 157 صفحة
الجدل: 489 : 769 = 281 صفحة
السوفسطيقا: 773 : 1054 (مع وضع تعدد الترجمات في الاعتبار سنعتبر أن الترجمة العربية لهذا الجزء تقع في ثلث ناتج طرح هذين الرقمين؛ أي حوالي مائة صفحة).
فمن الواضح أن كتاب المقولات - من بين أجزاء الأورجانون الأرسطي الستة المذكورة - يأتي في المرتبة الثانية من حيث الحجم، ولا يقل عنه في هذه الناحية إلا كتاب العبارة، الذي عرض فيه أرسطو لبعض القضايا اللغوية، وبعض أنواع التقابل، وعرَّف بالموجهات ونسَقِ التقابل بينها. والحق أن كثيرًا من موضوعات هذا الجزء قد عرض له أرسطو في أجزاء أخرى من الأورجانون؛ مثل: التقابل، وعرض له في المقولات، والموجهات، وعرض لها في التحليلات الثانية. كما أن نظرية الحد التي هي غرض كتاب العبارة قد تناولها أرسطو في التحليلات الثانية وفي الجدل.
نال كتاب المقولات لأجل هذا، ولتصدره للأورجانون كذلك، اهتمامًا أكبر من الشراح مسلمين وغير مسلمين – كما مر – وأما كتاب العبارة فيذكر صاحب "الفهرست" أن حنين بن إسحاق نقله إلى السريانية، وإسحاق إلى العربية، وفسّره الإسكندر، وثاوفرسطس، ويحيى النحوي، وأمليخس، وفرفوريوس، وجالينوس، وقويري، ومتى، والفارابى. واختصره حنين، وإسحاق، وابن المقفع، والكندى، وابن بهريز، وثابت بن قرة، وأحمد بن الطيب، والرازي(
[65]).
وإذا وضعنا في الاعتبار أن تعريب منطق أرسطو - من جهة أولى - قد عانى من بعض الصعوبات، وأخطرها عدم توافر لغة اصطلاحية تستوعبه من بداية الترجمة، وأنه ثقافة منقولة عن أمة وثنية، ومن جهة ثانية: أن الشرح لا يقوم إلا لحاجة تستدعيه؛ كغموض في الأصل أو اختصار - فسندرك من هذا وذاك تلك الدوافع التي أدت إلى تطور مسار الشروح العربية المنطقية حتى انفصلت عن أرسطو تمامًا في النهاية.
لقد حاول الأرسطيون العرب تسويغ المنطق أمام العقل الإسلامي، وكان الشرح وسيلة من وسائلهم إلى هذا الهدف، فقدموا في ذلك جهودًا مهمة استوعبت أكثر الأورجانون، إلا أن مواصلة تسويق المنطق بهذه الوسيلة لم تبد لهم مجدية؛ لهذا تحولوا سريعًا عنها إلى الكتابات المنطقية المستقلة التي تنفصل عن منطوق نص أرسطو، لكنها تبقى مرتبطة بمعانيه، وهو لون من التأليف برع فيه بقوة أبو نصر الفارابي.
ومع أن الشروح المباشرة على أرسطو لم تتوقف حتى هذا الحين، إلا أنها ظلت تفقد قيمتها مع الوقت. وحين جاء ابن رشد في القرن السادس وقدم مشروعه الكبير لشرح تراث أرسطو، لم يكن هدفه هو إحياء هذا اللون من التأليف بقدر ما سعى إلى تنقية تراث الفيلسوف اليوناني مما علاه من سوء الفهم – في رأيه – على يد المترجمين أولا، ثم هؤلاء المؤلفين الذين انفصلوا عن منطوق النص الأرسطي؛ خاصة ابن سينا والفارابي.
ولأن هذا التأليف المنطقي المنفصل عن نص أرسطو كان أشبه بالحيلة الثقافية أو التوفيق الثقافي الذي لجأ إليه العقل الإسلامي بتلقائيته، فقد بقي وتطور، وصار هو الأصل فيما بعد، ولم يفلح مشروع ابن رشد الكبير في عرقلته.
وقد جاد العقل الإسلامي في هذا الحقل بمطولات ضخمة؛ مثل: الشفاء لابن سينا، ودقائق الحقائق للآمدي، وأساس الاقتباس لنصير الدين الطوسي. كما جاد فيه بمختصرات موجزة؛ مثل: عيون الحكمة والإشارات لابن سينا، والشمسية للكاتبي، والجمل للخونجي، وإيساغوجي للأبهري، والتهذيب للتفتازاني.
وفي الوقت الذي أتاحت فيه المطولات العربية المنطقية بديلا مفصلا عن التواصل المباشر مع مكتوبات أرسطو المنطقية، فقد صرفت المختصراتُ الشراحَ عن شرح منطق أرسطو إلى شرح هذه المختصرات نفسها؛ خاصة أنها كانت أكثر ترتيبًا لمسائلها من الأورجانون الأرسطي، في الوقت الذي استوفت فيه المسائل الرئيسة له في عدد قليل من الصفحات.
وقد التقى إنتاج هذا اللون الجديد من الشروح المنطقية مع الشروح المعتادة على أرسطو التقاء زمنيًا عند طرفي كل منهما، ففي الوقت الذي كانت الشروح الإسلامية على أرسطو تشهد عهدها الأخير، كانت الشروح على مختصرات الإسلاميين المنطقية تشهد بداية عهدها؛ حتى انطلقت إلى أفق واسع في مرحلة تالية، وهو ما يوضحه الرسم التالي:
>>>ـــــــــــــ
ــــــــــــــــــ>>>>>>
فالخط الأول يمثل الشروح العربية على أرسطو، والتي كانت استكمالا للشروح اليونانية والسريانية عليه من قبل، إلا أن هذا الخط توقف تقريبًا عند ابن رشد. وأما الخط الثاني، فيمثل الشروح العربية على مختصرات الإسلاميين المنطقية، والتي ابتدأها فخر الدين الرازي (ت 606هـ)، واستمرت في بعض البيئات العلمية الإسلامية إلى الآن(
[66]).
والحق أن دور الرازي في هذا الجانب جدير بالتوقف عنده ولو قليلا؛ فهذه الشخصية الكبيرة كان لها تأثيرها الثقافي والعلمي الضخم في مسار العلوم العقلية عند المسلمين عمومًا، وفي هذا الجانب الذي نحن بصدده بالتحديد، قدم الرازي ثلاثة شروح على مختصرات فلسفية سينوية مهمة تحتوي المنطق كجزء منها، وهي: شرح عيون الحكمة، وشرح الإشارات والتنبيهات، وشرح النجاة، فأسهم هذا الجهد الكثيف في تحويل حركة الشروح المنطقية إلى مسارها الجديد.
وقد أسهم اشتراك شخصية فسلفية وأخرى كلامية ذاتَي مكانة مهمة في هذين الحقلين؛ أعني ابن سينا والرازي، أسهم اشتراكهما في هذا العمل إلى الترويج له بصورة واسعة جدًا، حتى صار مع الوقت هو الأصل في التأليف المنطقي؛ فإما أن يضع العالم مختصرًا في المنطق، أو يشرح مختصرًا فيه.
ومن المهم أن نؤكد على أن هذه المختصرات التي صارت أصولا للشروح المنطقية، لم تكن مجرد تعبير موجز عن المسائل والقضايا التي عرض لها أرسطو في كتبه المنطقية، بل لم تكن أيضًا اجتزاء بكبار المسائل عن صغارها، وإنما صحبت هذا الجهدَ إعادةُ هيكلة للمنطق الأرسطي؛ وذلك بالحذف منه حذفًا واسعًا، ووضع بعض مسائله في مواضع أكثر مناسبة لها، وتعزيز الاهتمام بجوانب فيه على حساب جوانب أخرى. وقد أدرك هذا كلَّه ابنُ خلدون، فقال في المقدمة: "ثم جاء المتأخرون، فغيروا اصطلاح المنطق، وألحقوا بالنظر في الكليات الخمس ثمرتَه، وهي الكلام في الحدود والرسوم، نقلوها من كتاب البرهان. وحذفوا كتاب المقولات؛ لأن نظر المنطقي فيه بالعرَض لا بالذات. وألحقوا في كتاب العبارة الكلامَ في العكس، وإن كان من كتاب الجدل في كتب المتقدمين، لكنه من توابع الكلام في القضايا ببعض الوجوه. ثم تكلموا في القياس من حيث إنتاجه للمطالب على العموم لا بحسب مادة، وحذفوا النظر فيه بحسب المادة، وهي الكتب الخمسة: البرهان، والجدل، والخطابة، والشعر، والسفسطة. وربما يلم بعضهم باليسير منها إلماماً..."(
[67]).
كما أن النظر إلى المنطق قد تغير مع تطور هذا التيار الجديد من المختصرات والشروح، فبعد أن كان المنطق يُعالَج تأليفيًا باعتباره جزءًا من الحكمة أو مقدمة قانونية لها، أُفردت له مؤلفات خاصة به بعد ابن سينا، واعتبر ابن خلدون ذلك تغيرًا في النظرة التقليدية إلى المنطق باعتباره آلة للعلوم واعتباره بدلا من هذا علمًا مستقلاً، يقول: "ونظروا فيه من حيث إنه فن برأسه، لا من حيث إنه آلة للعلوم، فطال الكلام فيه واتسع"(
[68]).
وأهم المختصرات والشروح التي أُنجزت في هذا الجانب - حسب تسلسلها الزمني - جاءت كما يلي(
[69]):
1 - عيون الحكمة لابن سينا (ت 428هـ)، وشرحه لفخر الدين الرازي (ت 606هـ).
2 - النجاة لابن سينا، وشرحه للرازي أيضًا.
3 – الإشارات لابن سينا، شرحه فخر الدين الرازي، ورفيع الدين الجيلي (ت سنة 641هـ)، ونصير الدين محمد بن الحسن الطوسي (ت 672هـ)، وعز الدولة سعد بن منصور المعروف بابن كمونة (ت سنة 676هـ)، وسراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي (ت سنة 682هـ)، وبرهان الدين محمد بن محمد النسفي الحنفي (ت سنة 686هـ).
4 - الجمل في المنطق للقاضي أفضل الدين محمد بن نامور الخونجي (ت 646هـ)، ومن شروحه: منتهى الأمل في شرح الجمل لشمس الدين محمد بن أحمد بن الخطيب التلمساني (ت سنة 842هـ)، وكمال الأمل في شرح الجمل لشمس الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم التونسي البكتمري التركي (ت سنة 894هـ)، وأبو العباس أحمد بن محمد بن يعقوب الدلائي المالكي (ت سنة 1128هـ)، وغيرهم.
5 - "إيساغوجي" لأثير الدين أبو المفضل بن عمر بن المفضل الأبهري (ت 663هـ)، شرح الأبهري نفسه، وشرح غريغوريوس بن حكيما أبو الفرج الملطي المؤرخ المعروف بابن العبري (ت سنة 685هـ)، وحسام الدين الكاتي النحوي (ت سنة 760هـ)، وشرح الفناري شمس الدين محمد بن حمزة الرومي الحنفي (ت سنة 834هـ)، وشرح الشيرازي علي بن إبراهيم الشريف نور الدين (ت سنة 863هـ)، وشرح حكيم شاه القزويني محمد بن مباركشاه بن محمد الهروي ثم الرومي الحنفي (ت سنة 928هـ)، وشرح الشبراملسي محمد بن علي بن محمد المصري المالكي (ت في حدود سنة 1021هـ)، وشرح العصامي عبد الملك بن جمال الدين الأسفرائيني (ت سنة 1037هـ)، وشرح المدني أحمد بن علي نجيب الدين أبو العباس الحنفي (ت سنة 1135هـ)، وضياء الدين عبد الله بن محمد الأخسقه وي الحنفي (ت سنة 1212هـ)، وأحمد بن سعيد بن المنير الحسيني الدمشقي الشافعي (ت سنة 1330هـ)، وغيرها.
6 – "مطالع الأنوار في المنطق" لسراج الدين محمود بن أبي بكر الأرموي التنوخي الدمشقي الشافعي (ت سنة 682هـ)، شرحه شمس الدين محمود بن عبد الرحمن بن أحمد الأصبهاني الشافعي (ت سنة 749هـ)، وقطب الدين محمد بن محمد الرازي التحتاني الشافعي (ت سنة 766هـ)، وابن جماعة محمد بن شرف الدين المقدسي الشافعي (ت سنة 819هـ)، وميرزا جان حبيب الله بن عبد الله العلوي الدهلوي الحنفي (ت سنة 994هـ)، وغيرها.
7 - "الرسالة الشمسية في القواعد المنطقية" لنجم الدين عمر بن علي الكاتبي (ت سنة 693هـ)، أشهر شروحها تحرير القواعد المنطقية في شرح الشمسية لقطب الدين التحتاني، وشرحها قبله ابن مطهر الحسن بن يوسف الحلي (ت سنة 726هـ) في القواعد الجلية، ونظام الدين الحسن بن محمد بن الحسين الخراساني الأعرج النيسابوري (ت سنة 728هـ)، وابن التركماني أحمد بن عثمان بن إبراهيم المارديني الحنفي المصري (ت سنة 744هـ)، وسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (ت سنة 791هـ)، وعبد الرحمن بن أبي بكر زين الدين الصالحي الحنفي المعروف بالعيني (ت سنة 893هـ)، وابن جلال حسن بن أحمد اليمني الزيدي (ت سنة 1079هـ)، وغيرهم.
8 – "تهذيب المنطق والكلام" لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، شرحه التفتازاني نفسه، وحفيده أحمد بن يحيى (ت سنة 916هـ)، ومحيي الدين محمد بن سليمان بن سعد الرومي الحنفي برغموي الأصل الشهير بالكافية جي (ت سنة 879هـ)، ومحمد بن محمد بن عبد اللطيف القاهري بدر الدين أبو الفضل الحنفي (ت سنة 891هـ)، وزين الدين العيني الذي سبق ذكره في شراح الشمسية، وجلال الدين الدواني البكري الشافعي (ت سنة 908هـ)، ومظفر الدين علي بن محمد الشيرازي الرومي الشافعي (ت سنة 922هـ)، وعصام الدين إبراهيم بن محمد بن عربشاه الأسفرائيني الخراساني الحنفي (ت سنة 944هـ)، و الأمير الأوزبكي عبيد الله خان بن محمود (ت سنة 976هـ)، وفخر الدين عبيد الله بن فضل الله الخبيصي (ت حوالي سنة 1050هـ)، وعبد الباقي بن أحمد بن محمد الدمشقي الحنفي المعروف بابن السمان (ت سنة 1088هـ)، وابن جلال حسن بن أحمد اليمني الزيدي، وعبد الباسط بن رستم علي بن علي أصغر القنوجي الهندي الحنفي (ت سنة 1223هـ)، وطه بن أحمد بن محمد قسيم البغدادي الشافعي الأشعري الشهير بسنه لي زاده (ت سنة 1300هـ)، وغيرهم.
9 – "السلم المنورق في المنطق" منظومة لعبد الرحمن بن محمد الأخضري المغربي (ت سنة 983هـ)، وقد شرحها الناظم نثرًا، كما شرحها سعيد بن إبراهيم التونسي الأصل الشهير بقَدُّورة (ت سنة 1066هـ)، ومحمد بن يوسف بن إبراهيم الغرفي المعروف بقش المغربي المالكي (ت سنة 1232هـ)، ومحمود بن الحافظ حسن المغنيساوي الرومي الحنفي (ت سنة 1222هـ)، وحسن بن درويش القويسني (ت سنة 1255هـ)، وغيرهم.
10 – "سلم العلوم في المنطق" لمحب الله البهاري الهندي الحنفي (ت سنة 1119هـ)، وهو أهم مشاركة هندية بالعربية في تاريخ المنطق، وعليه شروح كثيرة لعلماء الهند بالعربية والفارسية والأردية، منها: شرح الملا حسن اللكنوي، وشرح الملا حمد الله الصنديلي (ق 13هـ)، وشرح الملا محمد مبين المسمى مرآة الشروح على سلم العلوم، وشرح القاضي محمد مبارك بن محمد دائم الأديمي الفاروقي، وغيرها.
ويلاحظ على المختصرات المذكورة، والتي لم أقصد بالقائمة السابقة استيعابها جميعًا ولا استيعاب جميع شروحها، وإن حوت المشهور منهما، أنها شهدت قمة ازدهارها في القرن السابع الهجري؛ ففيه أخرج المنطقيون المسلمون كلا من الجُمَل وإيساغوجي ومطالع الأنوار والشمسية، إضافة إلى تجريد الطوسي. ويبدو أن هذا جاء بالتأثير الثلاثي المتراكم الذي أحدثه كل من ابن سينا والغزالي والرازي في مراحل سابقة من تاريخ المنطق، فأما ابن سينا فقد بدأ هذا النمط من تأليف المختصرات أولا. وأما الغزالي ففَصَل المنطق عن الفلسفة، ودافع عنه دفاعه المعروف الذي بلغ به حد إيجاب تعلمه إيجابًا شرعيًا، كما ألّف مختصره المنطقي محك النظر(
[70]). وأما الرازي فقد بدأ الاهتمام بشرح المختصرات المنطقية، وتوسع في ذلك توسعًا ظاهرًا.
ومن جهة أخرى، فإن الشروح التي أُلِّفت على هذه المختصرات، قد شهدت ازدهارًا في القرنين التاليين؛ أي الثامن والتاسع الهجريين، واستمر الازدهار مواكبًا لإنتاج مختصرات جديدة منها فيما بعد، وإن لم تنل هذه الأخيرة حظًا من الاهتمام والشهرة مثل المختصرات التي أنتجها منطقيو القرنين السابع والثامن.
وأما من ناحية المضمون، فإنه يلاحظ أن الفروق بين المختصرات المنطقية بعضها وبعض لا تتجاوز التدقيق اللغوي في العرض الموجز لمسائل المنطق الرئيسة كما بدت للمختصِر، وقليلا ما يزيد بعضُها أشياء لا تعتني بها جمهرة هذه الكتب، ومن ذلك اهتمام صاحب الشمسية بقياس ذوات الجهة أو المختلطات دون أكثر أصحاب المختصرات.
ومن ناحية المضمون كذلك، فإن أهم ما يُلحَظ على هذه المختصرات، بالنسبة لهذه الدراسة على الأقل، هو أن مبحث المقولات قد أُسقط من أغلبها تمامًا – كما أشار ابن خلدون في نص سابق له - فالذين أدرجوا المقولات في مختصراتهم المنطقية قليلون، ومنهم: ابن سينا في منطقيات عيون الحكمة، ونصير الدين الطوسي في تجريد المنطق، في حين أهملها الخونجي في الجُمَل، والكاتبي في الشمسية، والتفتازاني في تهذيب المنطق، والسنوسي في مختصر المنطق، والأخضري في السلم المنورق، والبهاري في سلم العلوم.
ولو قارنا مسألة الموجهات، التي تبحث في كيفية الارتباط بين طرفي القضية بالإمكان والضرورة وما يشبههما، بمسألة المقولات في هذا الصدد، لوجدنا أن المبحثين يغلب عليهما السمت الميتافيزيقي وليس المنطقي. ولو عللنا استبعاد المقولات من مختصرات الإسلاميين المنطقية بأنه مبحث ميتافيزيقي، لكانت الموجهات أولى من المقولات بذلك للسبب نفسه، إلا أن الذي حدث هو أن أغلب هذه المختصرات التي أهملت المقولات أولت الموجهات اهتمامًا ظاهرًا، خاصة في مباحث القضايا والعكس والنقيض، بل إن صاحب الشمسية بالغ في اهتمامه بالموجهات – كما سبق - حتى عمَّم تطبيقها على القياس فيما يسمى بالمختلطات، فبدا الأمر شديد التعقيد بالنسبة للشراح.
وإن قيل إن بعض المتأخرين قد حاول استدراك هذه المسألة بتأليف رسائل منفردة في المقولات وشرحها؛ مثل: محمد بن محمد المغربي البليدى المصرى المالكى (ت سنة 1176هـ) في نيل السعادات في علم المقولات، والشيخ خليل بن محمد المغربي المصري (ت سنة 1177هـ) في بغية الإرادات في شرح المقولات، وعبد الرحمن بن مصطفى العيدروس المصري (ت سنة 1192هـ) في قطف الثمر في شرح المقولات العشر، وأحمد بن شهاب الدين أحمد بن محمد السجاعي المصري الأزهري الشافعي (ت سنة 1197هـ) في الجواهر المنتظمات في عقود المقولات(
[71]) – إن قيل هذا، فقد يضعف منه أن الموجهات قد نالت هي الأخرى نصيبًا مماثلا – إن لم يكن أكبر - من اهتمام مؤلفي هذه المختصرات الخاصة([72]).
ويبدو أن هذا النمط الأخير من التأليف لم يكن إلا تحولا عن نمط المختصرات المنطقية العامة الذي كان قد أُشبع تأليفًا، وثبتت فيه بعض الأصول، وكثرت شروحها كثرة كبيرة. وقد يؤيد ذلك أن المختصرات المنطقية العامة؛ أعني التي تستوعب المنطق كله، قد قلت بصورة واضحة بعد القرن العاشر. ولعل أصحاب المختصرات وشراحها استغنوا عن ذكر المقولات في مختصراتهم وشروحهم بما اتفقوا على تضمينه كتبَهم عن الكليات الخمسة (الجنس والنوع والفصل والخاصة والعرض العام)، فالكليات وإن كانت أساسًا لنظرية الحد المنطقية، فإنها تكاد تكون نظرية في تصنيف الكليات العقلية كذلك.
ويحسن قبل أن يفرغ القلم من هذه السطور أن نرصد التأثير الثقافي لهذا التطور الذي طرأ على الشروح العربية المنطقية، والتي وصفتها هذه الدراسة بالمباشرة حسب المفهوم السابق بيانه، فإذا كان الغالب على الشروح الخاصة بمتن أرسطو أو "النص"(
[73]) هي محاولة الترويج للمنطق ثقافيًا، وإزالة الحاجز الفكري الذي جعل العقل الديني يتردد في قبوله حوالي أربعة قرون؛ أي منذ الترجمات المبكرة له إلى زمن الغزالي – إذا كان هذا هو القصد من الشروح المباشرة على نص أرسطو، فإن المختصرات المنطقية قد قامت على أساس تعليمي تدريسي؛ أي أن المقصود منها هو تيسير الوصول إلى مسائل المنطق وقضاياه بأقل الألفاظ. وأما الشروح التي قامت عليها فمثلت بيان وتفصيل المختصر لمن يحتاج إلى البيان والتفصيل. وكأن المختصَر قام مقام المتن الذي يجب أن يستظهره الدارس، في حين مثَّل الشرح التفصيل الذي يكشف له ما يمكن أن يغمض عليه من الألفاظ المحفوظة.
هذا، وقد انتقد ابن خلدون نظام المختصرات هذا انتقادًا شديدًا، وعقد بابًا خاصًا في المقدمة عنوانه: "في أن كثرة الاختصارات الموضوعة في العلوم مخلة بالتعليم"، وأرّخ للمسألة أولا بأن كثيرًا من المتأخرين ذهبوا إلى "اختصار الطرق والأنحاء في العلوم، يولعون بها ويدونون منها برنامجاً مختصراً في كل علم يشتمل على حصر مسائله وأدلتها، باختصار في الألفاظ وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن"(
[74])، وأورد من نماذج ذلك مختصرات ابن الحاجب في الفقه وأصوله، وابن مالك في العربية، والخونجي في المنطق.
ولخص ابن خلدون عيوب هذه المختصرات في أمور؛ أهمها: عُسر فهمها، وإخلالها ببلاغة العربية، وتقديم غايات العلم للمتعلم قبل أن يستكمل عدته لقبولها، وشغل المتعلم وتضييع وقته في تتبع معاني الألفاظ عن مقصود المسائل، ثم إن "الملكة الحاصلة من التعليم في تلك المختصرات، إذا تم على سداده، ولم تعقبه آفة، فهي ملكة قاصرة عن الملكات التي تحصل من الموضوعات البسيطة المطولة؛ لكثرة ما يقع في تلك من التكرار والإحالة المفيدين لحصول الملكة التامة"(
[75]).
والحق أن ابن خلدون لا يعيب الاختصار في التأليف مطلقًا، ولكنه يعيب تحوله إلى نمط تصنيفي مستقل، يُقصَد بذاته لأجل غرض تعليمي؛ ولهذا فإن من أنماط التأليف التي أقرها: اختصار المطولات من أمهات الفنون، وحذف المتكرر منها، "مع الحذر من حذف الضروري؛ لئلا يخل بقصد المؤلف الأول"(
[76]).
لكن، إن كان موقف ابن خلدون من المختصرات والتلخيصات المنطقية التي أشرنا إليها سابقًا سلبيًا هكذا، فما موقفه من الشروح التي أُقيمت عليها؟
لا نملك لدى الرجل الكبير إجابة مباشرة على هذا السؤال، إلا أنه حين عدَّد فنون التأليف ذكر منها الوقوف على تآليف الأولين، فإن وجدها مستغلِقة، وفُتِح عليه فيها، أبان "ذلك لغيره ممن عساه يستغلق عليه، لتصل الفائدة لمستحقها... وهو فصل شريف"(
[77]). فقد رضي الرجل عن هذا النمط من التأليف الذي يكشف الغوامض، ولكن يبدو أنه يشترط أن تكون الشروح على كتبٍ ذات قيمة تستحق معها جهد الشارح.
المصادر والمراجع:
1 - عز الدين بن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب، مكتبة القدسي - القاهرة 1357هـ.
2 - أرسطو: كتاب الطوبيقا، نقل: أبي عثمان الدمشقي (ضمن منطق أرسطو بتحقيق: د. عبد الرحمن بدوي)، الطبعة الأولى، وكالة المطبوعات بالكويت، ودار القلم ببيروت 1980م.
3 - أرسطو: ما بعد الطبيعة (بتفسير ابن رشد) مج V1، تحقيق: موريس بويج، المطبعة الكاثوليكية - بيروت، 1942م.
4 - أرسطو: ما بعد الطبيعة مج VII، تحقيق: موريس بويج، المطبعة الكاثوليكية - بيروت، 1948م.
5 - موفق الدين أحمد بن القاسم بن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء، تحقيق: د. نزار رضا، منشورات دار الحياة - بيروت 1965م.
6 - د. أحمد شوقي بنين وآخرون: فن فهرسة المخطوطات مدخل وقضايا (ندوة قضايا المخطوطات - 2)، معهد المخطوطات العربية - القاهرة 1999م.
7 - ظهير الدين البيهقي: تتمة صوان الحكمة، لاهور - باكستان 1351هـ.
8 - أبو حيان التوحيدي: الإمتاع والمؤانسة، تحقيق: أحمد أمين وأحمد الزين، ط. الثانية، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر - القاهرة، ب.ت.
9 - ياقوت الحموي: معجم الأدباء لياقوت، راجعته وزارة المعارف العمومية، الطبعة الأخيرة، مطبعة دار المأمون - القاهرة، ب.ت.
10 - عبد الرحمن بن محمد بن خلدون: مقدمة ابن خلدون، تحقيق: خليل شحادة، مراجعة: د. سهيل زكار، دار الفكر – بيروت 1421هـ/ 2001م.
11 - حاجي خليفة: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، تحقيق: محمد شرف الدين يالتقايا ورفعت بيلكه الكليسي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ب.ت.
12 - محمد بن أحمد بن يوسف الخوارزمي: مفاتيح العلوم، دار الكتب العلمية - بيروت، ب.ت.
13 - شمس الدين الذهبي: تاريخ الإسلام، الطبعة الأولى، ت: د. عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي - بيروت، 1411هـ/ 1991م.
14 - أبو الوليد بن رشد: تلخيص كتاب الجدل، تحقيق: د. تشارلس بترورث، د.أحمد عبد المجيد هريدي، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1979م.
15 - أبو الوليد بن رشد: تلخيص المقولات، تحقيق: د. محمود قاسم، مراجعة وتقديم: د. تشارلس بترورث ود. أحمد عبد المجيد هريدي، الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة 1980م.
16 - أبو الوليد بن رشد: تلخيص كتاب المقولات، المجلد الثاني من نص تلخيص منطق أرسطو، تحقيق: د. جيرار جهامي، الطبعة الأولى، دار الفكر اللبناني – بيروت 1992م.
17 - أبو الوليد بن رشد: كتاب السماع الطبيعي، حققه وعلق عليه: جوزيف بويج، المجلس الإسباني العربي للثقافة - مدريد 1983م.
18 - نيقولا ريشر: تطور المنطق العربي، ترجمة: د.محمد مهران، الطبعة الأولى، دار المعارف - القاهرة 1985م.
19 - خير الدين الزركلي: الأعلام، الطبعة الخامسة، دار العلم للملايين - بيروت 1980م.
20 - أبو علي بن سينا: عيون الحكمة، تحقيق: د. عبد الرحمن بدوي، الطبعة الثانية، وكالة المطبوعات - الكويت، ودار القلم – بيروت 1980.
21 - محمد بن الحسن الطوسي: شرح الإشارات، تحقيق: د. سليمان دنيا، الطبعة الثالثة، دار المعارف - القاهرة 1983م.
22 - غريغوريوس بن حكيما بن العبري الملطي: تاريخ مختصر الدول، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين – بيروت 1890م.
23 - فرفوريوس: إيساغوجي، نقل: أبي عثمان الدمشقي (ضمن منطق أرسطو).
24 - د. مهدي فضل الله: الشمسية في القواعد المنطقية، الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء وبيروت 1998.
25 - زكريا بن محمد القزويني: آثار البلاد وأخبار العباد، دار صادر - بيروت، ب.ت.
26 - يوسف كرم: تاريخ الفلسفة اليونانية، الطبعة الخامسة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر – القاهرة 1389هـ/ 1970م.
27 - نبيل فولي محمد: المقولات العشر في الفكر الفلسفي الإسلامي حتى القرن السادس الهجري، رسالة دكتوراه محفوظة بمكتبة كلية دار العلوم – جامعة القاهرة، ونوقشت عام 2204م.
28 - محمد بن إسحاق النديم: الفهرست، تحقيق: رضا تجدّد - طهران 1391هـ/ 1971م.
29 - علي بن أبي الحزم بن النفيس: شرح تشريح القانون (نسخة المكتبة الشاملة، الإصدار الثاني).
30 - عبد الله بن محمد الوهبي: مختصر شرح ألفاظ أرسطوطاليس في كتاب المقولات في المنطق، مخطوط مصور بمعهد المخطوطات العربية، 59 فلسفة، عن الأصل الموجود في مكتبة أيا صوفيا.
[1] - فرفوريوس الصوري (ت 305م): أحد المؤسسين الرئيسين للأفلاطونية الجديدة، وصاحب "إيساغوجي"، وجامع تاسوعات أفلوطين الإسكندري، درس الفلسفة في أثينا، واتصل في روما بمجموعة أفلوطين، وصار فورفوريوس الشخص الأهم في مدرسة أفلوطين. شرح بعض محاورات أفلاطون، والعديد من كتب أرسطو، ومنها "المقولات". ومات بعد أن جاوز السبعين عامًا: (The ENCYCLOPEDIA OF PHILOSOPHY 6/ 411 - 412، ويوسف كرم: تاريخ الفلسفة اليونانية ص 298، الطبعة الخامسة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر – القاهرة 1389هـ/ 1970م). عرف العرب شرحه على "قاطيغورياس"، انظر: محمد بن إسحاق النديم: الفهرست ص 309، تحقيق: رضا تجدّد - طهران 1391هـ/ 1971م.
[2] - يقول ابن خلدون: "إن حكماء اليونانيين، بعد أن تهذبت الصناعة ورتبت، رأوا أنه لا بد من الكلام في الكليات الخمس المفيدة للتصور المطابق للماهيات في الخارج، أو لأجزائها أو عوارضها، وهي: الجنس، والفصل، والنوع، والخاص، والعرض العام، فاستدركوا فيها مقالة، تختص بها مقدمة بين يدي الفن، فصارت (مقالاته) تسعاً" عبد الرحمن بن محمد بن خلدون: مقدمة ابن خلدون ص 646، تحقيق: خليل شحادة، مراجعة: د. سهيل زكار، دار الفكر – بيروت 1421هـ/ 2001م. وانظر: أرسطو: كتاب الطوبيقا 2/ 575 وما بعدها، نقل: أبي عثمان الدمشقي (ضمن منطق أرسطو بتحقيق: د. عبد الرحمن بدوي)، الطبعة الأولى، وكالة المطبوعات بالكويت، ودار القلم ببيروت 1980م، وفرفوريوس: إيساغوجي 3/ 1055 وما بعدها، نقل: أبي عثمان الدمشقي (ضمن منطق أرسطو).
[3] - الكتاب محقق عندي، وجاهز للطباعة، وقد عالجت في مقدمته قليلا من النقاط التي عالجها هذا البحث، فأرجو من الله التوفيق إلى طباعته ونشره.
[4] - انظر للتفصيل: المقولات العشر في الفكر الفلسفي الإسلامي حتى القرن السادس الهجري، رسالة دكتوراه لصاحب هذه السطور محفوظة بمكتبة كلية دار العلوم – جامعة القاهرة، ونوقشت عام 2204م.
[5] - النديم: الفهرست ص 309 حيث ذكر أكثر هذه الأسماء.
[6] - "تحرير الكتابة: إقامة حروفها وإصلاح السقْط" لسان العرب ح ر ر. ومن ناحية التطبيق تأتي كلمة "تحرير" بمعنى إتمام عملية التأليف والنسخ النهائي أحيانًا، (انظر: قول أبي حيان التوحيدي عن مسودة كتابه "الصديق والصداقة" في معجم الأدباء لياقوت 15/ 7)، راجعته وزارة المعارف العمومية، الطبعة الأخيرة، مطبعة دار المأمون - القاهرة، ب.ت، وقد استخدم التبييض بمعنى النسخ الأخير)، وأحيانًا أخرى يأتي لفظ "التحرير" بمعنى النسخ وحده (انظر: الشوكاني: الدرر المضية 2/ 508).
[7] - الوهبي: مختصر شرح ألفاظ أرسطوطاليس في كتاب المقولات في المنطق: لوحة: 157 أ – مخطوط مصور بمعهد المخطوطات العربية، 59 فلسفة، عن الأصل الموجود في مكتبة أيا صوفيا.
[8] - انظر: السابق: 89 أ، 92 أ، 100 أ.
[9] - انظر له مثلا: تلخيص المقولات ص 88، 116، تحقيق: د. محمود قاسم، مراجعة وتقديم: د. تشارلس بترورث ود. أحمد عبد المجيد هريدي، الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة 1980م؛ وتلخيص كتاب الجدل ص 61 – 64، تحقيق: د. تشارلس بترورث، د.أحمد عبد المجيد هريدي، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1979م؛ وكتاب السماع الطبيعي ص 55، و105 - 106، حققه وعلق عليه: جوزيف بويج، المجلس الإسباني العربي للثقافة - مدريد 1983م.
[10] - الوهبي: مختصر شرح ألفاظ أرسطوطاليس: لوحة: 103 أ. في الأصل: "لهجه" بدلا من: "ليتَّجه"، و"رسده" بدلا من "تُرْشدُه".
[11] - السابق: 143 أ.
[12] - يقول د. أحمد شوقي بنين - الخبير في شئون المخطوطات - عن المخطوطة التي قد توحي بأنها كُتبت بخطوط مختلفة: "إن عالم المخطوطات يستطيع أن يثبت أنه ليس من الضرورة أن تكون المخطوطة قد نسخها نسّاخ مختلفون، بل هي من خط ناسخ واحد، نسخها في حالات نفسية مختلفة، أو في فترات زمنية متباعدة تغير معها خطه" فن فهرسة المخطوطات مدخل وقضايا (ندوة قضايا المخطوطات - 2) ص 42، معهد المخطوطات العربية - القاهرة 1999م - لكن هذا في الحقيقة لا يؤثر شيئًا في النتيجة التي ستأتي بعد قليل.
[13] - الوهبي: مختصر شرح ألفاظ أرسطوطاليس: 101 ب.
[14] - السابق: 105 ب.
[15] - هذه المعلومات أخذتها من تراجم هذه الشخصيات في الأعلام للزركلي من مواضع متفرقة.
[16] - عز الدين بن الأثير: اللباب في تهذيب الأنساب 3/ 281، مكتبة القدسي - القاهرة 1357هـ.
[17] - الذهبي: تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات 191 - 200هـ) ص 362، الطبعة الأولى، ت: د. عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي - بيروت، 1411هـ/ 1991م.
[18] - السابق (حوادث ووفيات 211 - 220هـ) ص 42.
[19] - ابن الأثير: اللباب 3/ 281.
[20] - النديم: الفهرست ص 325، 341.
[21] - لم أجد عن القاضي إلا القليل من المعلومات، وما وجدته منها جاء في أحد كتب البلدان (آثار البلاد وأخبار العباد: لزكريا بن محمد القزويني ص 386 – 388، دار صادر - بيروت، ب.ت)، كما لم يأخذ كتابه المذكور حظًا من الاهتمام إلا حديثًا مع رعاية الشيخ محمد عبده له.
[22] - الوهبي: مختصر شرح ألفاظ أرسطوطاليس: 91 أ.
[23] - السابق 157 أ.
[24] - السابق 86 ب.
[25] - انظر: السابق 97 ب، 127 ب.
[26] - انظر: السابق 102 ب.
[27] - السابق 103 أ.
[28] - السابق 143 أ.
[29] - انظر رأي كل من الفارابي وابن رشد في المسألة: ابن رشد: تلخيص كتاب المقولات ص 52 – 53، المجلد الثاني من نص تلخيص منطق أرسطو، تحقيق: د. جيرار جهامي، الطبعة الأولى، دار الفكر اللبناني – بيروت 1992م.
[30] - بدأ الوهبي في تجزئة النص الكامل لمقولات أرسطو بنص جزئي عن المتفقة أسماؤها، ثم نص عن المتواطئة، ثم المشتقة، ثم عن تقسيم الألفاظ إلى مركبة ومفردة، ثم الألفاظ المفردة التي تعبر عن جوهر كلي والأخرى التي تعبر عن عرض جزئي، ثم الحمل المنطقي والحمل الطبيعي، ثم الألفاظ المفردة التي تعبر عن جوهر جزئي والأخرى التي تعبر عن عرض كلي... إلخ.
[31] - الوهبي: مختصر تفسير معاني ألفاظ أرسطوطالس 93 ب.
[32] - السابق نفسه.
[33] - السابق نفسه، وانظر: أرسطو: ما بعد الطبيعة (بتفسير ابن رشد) مج V1 ص 300 وما بعدها، تحقيق: موريس بويج، المطبعة الكاثوليكية - بيروت، 1942م، وقارن: ما بعد الطبيعة مج VII ص 1408، 1414، تحقيق: موريس بويج، المطبعة الكاثوليكية - بيروت، 1948م.
[34] - الوهبي: مختصر تفسير معاني ألفاظ أرسطوطالس 86 أ.
[35] - السابق 92 أ.
[36] - السابق 92 أ.
[37] - انظر: شرح الطوسي على الإشارات 1/ 112، تحقيق: د. سليمان دنيا، الطبعة الثالثة، دار المعارف - القاهرة 1983م.
[38] - حاجي خليفة: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون 1/ 94، تحقيق: محمد شرف الدين يالتقايا ورفعت بيلكه الكليسي، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ب.ت.
[39] - ابن العبري: تاريخ مختصر الدول ص 332، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين – بيروت 1890م.
[40] - راجع الفصل الخاص بهذه المسألة في: المقولات العشر في الفكر الفلسفي الإسلامي حتى القرن السادس الهجري.
[41] - الوهبي: مختصر شرح ألفاظ أرسطوطاليس 94 أ.
[42] - السابق 87 أ – 87 ب.
[43] - السابق 144 أ – 144 ب.
[44] - السابق 87 ب.
[45] - يمكن أن نمثل لهذا بشرح ابن النفيس على تشريح القانون لابن سينا؛ فقد كان الشارح عملاقًا لم تحجبه سطوة المؤلف عن الإبداع والإضافة في مواضع كثيرة من شرحه، ومن أمثلة ذلك أنه أورد اختلاف القدماء، ومنهم مصنف الأصل، في منبت العروق في الجسم، فمنهم من قال إن منبتها الكبد، ومنهم من قال بل القلب، وغير ذلك، ثم تعقبهم الشارح العبقري بقوله: "أما الحق الذي ذهبنا إليه، فهو أنه ليس شيء من هذه يجوز ألبتة أن ينبت من عضو، وأنها لها أسوة بباقي الأعضاء في أنها تتكون ابتداء من غير أن تكون نابتة من شيء من الأعضاء" ابن النفيس: شرح تشريح القانون ص 105 (نسخة المكتبة الشاملة، الإصدار الثاني).
[46] - ابن سينا: عيون الحكمة (مقدمة التحقيق) ص ح، تحقيق: د. عبد الرحمن بدوي، الطبعة الثانية، وكالة المطبوعات - الكويت، ودار القلم – بيروت 1980.
[47] - أبو إسحاق إبراهيم قويري أحد الشراح المترجمين إلى العربية، وصفه علماء الطبقات بأنه: "فاضل في العلوم الحِكْمية، وهو ممن أُخذ عنه علم المنطق، وكان مفسِّراً، وعليه قرأ أبو بشر متى بن يونان"، ووصفوا كتبه بأنها: "مطَّرَحةٌ مَجْفوَّة؛ لأن عباراته كانت عَفْطيَّة غَلِقة". وله "تفسير قاطيغورياس"، انظر ترجمته عند النديم: الفهرست ص 321، ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص 316 - 317، تحقيق: د. نزار رضا، منشورات دار الحياة - بيروت 1965م.
[48] - نيقولا ريشر: تطور المنطق العربي ص 281، ترجمة: د.محمد مهران، الطبعة الأولى، دار المعارف - القاهرة 1985م.
[49] - في الأصل: فهمنا.
[50] - في الأصل: دابه.
[51] - في الأصل: موضعين باني.
[52] - الوهبي: مختصر شرح ألفاظ أرسطوطاليس 102 ب.
[53] - السابق 104 أ.
[54] - السابق 105 أ.
[55] - متى بن يونس القُنائي (نسبة إلى دير قُنى) منطقي ومترجم، توفي سنة 328هـ، كان شيخ المنطقيين في عصره، ومن تلاميذه أبو نصر الفارابي. له شروح مفقودة عَلَى "المَقُولات" و"العبارة" و"التحليلات الأولى" و"الثانية"، ولا زالت ترجماته لبعض أجزاء الأورجانون منتشرة بين المتخصصين إلى الآن. انظر ترجمته في الفهرست ص 322، طبقات الأطباء ص 317.
[56] - الوهبي: مختصر شرح ألفاظ أرسطوطاليس: لوح 103 أ.
[57] - هو أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام المنطقي السجستاني، من ذوي الثقافة الواسعة المتنوعة في القرن الرابع الهجري الذي امتلأ برجالات من هذا النوع، يكثر تلميذه أبو حيان التوحيدي من ذكره ونقل أقواله في كتبه، وقد وصفه مقارنًا إياه برجالات عصره المهتمين بالفلسفة والحكمة قائلاً: "أما شيخنا أبو سليمان، فإنه أدقهم نظراً، وأقعرهم غوصاً، وأصفاهم فكراً، وأظفرهم بالدرر، وأوقفهم على الغرر؛ مع تقطع في العبارة، ولَكنةٍ ناشئة من العُجمة، وقلة نظرٍ في الكتب، وفرط استبداد بالخاطر، وحسن استنباط للعويص، وجرأة على تفسير الرمز، وبُخلٍ بما عنده من هذا الكنز" الإمتاع والمؤانسة 1/33، تحقيق: أحمد أمين وأحمد الزين، ط. الثانية، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر - القاهرة، ب.ت، يُنسَب إليه "شرح كتاب أرسطو" الأعلام 7/41، الطبعة الخامسة، دار العلم للملايين - بيروت 1980م ، ولعله شرح على كتب الأورجانون الأربعة - وله غير ذلك مؤلفات أخرى عديدة، أشهرها "صوان الحكمة"، كما ذكر البيهقي في التتمة، انظر: ظهير الدين البيهقي: تتمة صوان الحكمة ص 74، لاهور - باكستان 1351هـ.
[58] - بَعدَها في الأصل: "عشر محدود الأبعادِ هو الجَوْهَر"، وتبدو لي مقحمة على السياق.
[59] - في الأصل: "العشرة والملعب"، بدلاً من "المنشور والمائي"، ولعل ما أثبته أصوب. والمنشور جسم هندسي معروف: "يحدث عن أحد الأَجْسَام المربعة إذا قسم بنصفين عَلَى أحد أقطاره. سمي بذلك لأنه كأنما نُشر بالمنشار نشراً"، وأما المائي في الاصطلاح الهندسي فهو: "جسم يحيط به عشرون مثلثاً متساوية الأضلاع والزوايا"، والناري هو "جسم يحيط به أربعة سطوح مثلثات متساوية الأضلاع" الخوارزمي: مفاتيح العلوم ص 121، دار الكتب العلمية - بيروت، ب.ت.
[60] - الوهبي: مختصر شرح ألفاظ أرسطوطاليس 113 أ.
[61] - أبو الحسن محمد بن يوسف العامري (ت 381 هـ): من أصحاب الثقافة المتنوعة - كما يشير الباقي من كتبه وأخباره - مع تعلق شديد بالفلسفة، ألف في فنون عديدة، واهتم بمنطق أرسطو، من أعظم كتبه "الإعلام بمناقب الإسلام". وقد أكثر أبو حيان التوحيدي من ذكره في "الإمتاع والمؤانسة"، وسجل أن لأحد مواليه شرحًا - أو "صفو الشرح" كما قال - على "قاطيغورياس"، وهو أبو القاسم الكاتب غلام أبي الحسن العامري (انظر: الإمتاع والمؤانسة 1/ 35)، وهذا من الغرائب، ولعله استفاده من العامري.
[62] - الوهبي: مختصر شرح ألفاظ أرسطوطاليس 111 أ.
[63] - انظر: نيقولا ريشر: تطور المنطق العربي ص 107.
[64] - نيقولا ريشر: تطور المنطق العربي (مقدمة الترجمة) ص 107.
[65] - النديم: كتاب الفهرست ص 309.
[66] - يُرجَع في ذلك مثلا إلى تحليلات الدكتور مهدي فضل الله وتعليقاته على الرسالة الشمسية في كتابه: الشمسية في القواعد المنطقية، الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء وبيروت 1998.
[67] - ابن خلدون: المقدمة ص 646 - 647.
[68] - السابق ص 647.
[69] - تُراجع في هذا كتب الفهارس في مواضع منتشرة منها: كشف الظنون لحاجي خليفة، وأبجد العلوم للقنوجي، وإيضاح المكنون وهدية العارفين كلاهما لإسماعيل باشا البغدادي.
[70] - يمتاز محك الغزالي بأنه أقدم مختصرات المنطق المخصصة له السائرة حتى عصرنا هذا، إلا أنه لم يُعرَف له شرح.
[71] - تُراجع في هذا كتب الفهارس في مواضع منتشرة منها: كشف الظنون لحاجي خليفة، وأبجد العلوم للقنوجي، وإيضاح المكنون وهدية العارفين كلاهما لإسماعيل باشا البغدادي.
[72] - حول عناية المناطقة العرب والمسلمين بالتأليف في الموجهات: انظر مبحثًا خاصًا بالمسألة: نبيل فولي محمد: منطق الموجهات عند المسلمين، رسالة ماجستير محفوظة بمكتبة كلية دار العلوم – جامعة القاهرة، ونوقشت عام 1998م.
[73] - يقول ابن خلدون عن أرسطو: "وكتابه المخصوص بالمنطق يسمى النص" المقدمة ص 645.
[74] - السابق ص 733.
[75] - السابق ص 733 - 734. وانظر فصل: "في وجه الصواب في تعليم العلوم وطريق إفادته" المقدمة: ص 734 وما بعدها.
[76] - السابق ص 732.
[77] - السابق ص 731.