الثلاثاء، 13 يناير 2009

الجامعة الإسلامية بباكستان شاهدة على وسطية الإسلام

هذا الموضوع عبارة عن حوار صحفى أجرته صحيفة العرب القطرية مع الدكتور نبيل الفولي

2008-12-19 الدوحة – نعيم محمد عبد الغني
 نود أن يعرف القارئ نبذة عن الجامعة الإسلامية وقصة إنشائها
● أقيمت الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد قبل قرابة ثلاثة عقود من الزمان، وكان القصد من هذا المشروع أن يكون احتفالا بدخول المسلمين إلى القرن الخامس عشر الهجري على هيئة مؤسسة تعليمية تقدم المعارف والثقافة الإسلامية بلغتها الأصلية والأولى؛ أعني العربية، وبمنهج وسطي يبتعد عن طرفي الغلو والتفريط.وكان المستهدَف هو إنشاء سلسلة من الجامعات المماثلة في أنحاء العالم تُقدَّم كمؤسسات تعليمية راقية للعلوم العربية والإسلامية، ويُجمَع فيها جمعًا متوازنًا بين الأصالة والمعاصرة؛ فمثلا يدرس الطالب في كلية الشريعة والقانون الفقه وأصوله إلى جانب القانون وفلسفته، وفي كلية أصول الدين يدرس القرآن والسنة إلى جانب الإنتاج الفكري للبشر في مختلف عصوره مع خلفية من العلوم الاجتماعية الحديثة.وأنشئت الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا بالفعل، وسبقتها الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، وبقيت بقية أجزاء المشروع العالمي الكبير أفكارًا تنتظر التنفيذ، بل إن الجامعتين المذكورتين ما زالتا في طريق النمو والاكتمال. وأرى أن سلسلة الجامعات الإسلامية العالمية مشروع واعد ومهم؛ إذ يقدِّم صورة مشرِّفة للعالم الإسلامي ومعارفه التراثية.
 هل شجعت الحكومة الباكستانية إنشاء الجامعة الإسلامية ؟
● دعمت الدولة الباكستانية الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد عند تأسيسها، وكانت تسعى في عهد الرئيس الراحل محمد ضياء الحق إلى أن تكون الجامعة عونًا لها في مشروعها الكبير لتطبيق الشريعة الإسلامية في باكستان، فضمت أولا كليات الشريعة والقانون وأصول الدين واللغة العربية، إضافة إلى أكاديمية الشريعة وأكاديمية الدعوة ومعهد الاقتصاد ومعهد اللغات الذي اعتنى بصورة كبيرة بتعليم العربية لغير الناطقين بها.ومن ألوان الدعم المهمة التي قدمتها باكستان للجامعة التي تستضيفها على أرضها: أنها ضمّنت دستور الدولة نفسه ضرورة وجود الجامعة الإسلامية العالمية بوصفها وأهدافها المحددة دون الجامعات الوطنية الأخرى، ومنها جامعة البنجاب العريقة، والتي تُعَد أقدم جامعة في جنوب آسيا عامة. واعتُبرت الجامعة الإسلامية أيضًا كيانًا مستقلا له مجلس أمناء يرأسه رئيس الدولة، ويضم مجموعة من كبار العلماء والشخصيات الإسلامية؛ ومنهم: الدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور عبد الله عمر نصيف، والدكتور أحمد محمد العسال، والدكتور أحمد الطيب، والشيخ يوسف الحجي، وغيرهم.
 هل تنشر الجامعة الفكر الوسطي بين أبناء باكستان أم أنها تستضيف طلابا من الدول الإسلامية كافة؟
● تضمن ميثاق الجامعة ضرورة أن يكون ثلثا الطلاب على الأقل من خارج الدولة التي تحتضنها، وقد استفادت من هذا البند أعداد غفيرة من المسلمين الأفارقة والآسيويين والأوربيين.كما منحت بينظير بوتو - رئيسة الوزراء الباكستانية الراحلة - الجامعةَ مساحة أرض واسعة تساوي حيًا كاملا من أحياء العاصمة، ولا زال جزء كبير من هذه المساحة خاليًا يتيح للجامعة مزيدًا من الاتساع والتمدد.وقد خرجت النسخة الأولى للجامعة رائعة؛ جامعةٌ عربية اللسان بلغتها وأساتذتها فوق أرض عجمية يعشق أهلها وزوّارها العربية وعلومها، وباقةٌ منوعة من الطلاب ينتمون إلى أكثر من خمسين دولة في آسيا وأفريقيا وأوربا؛ خاصة من إندونيسيا والصين وتايلاند وأفغانستان والصومال وغرب أفريقيا.وخرَّجت الجامعة أجيالا طليقة اللسان والقلم بلغة الضاد؛ حتى صح وصفها بأزهر آسيا بدلا من «دار العلوم – ديوبند» في الهند، والتي لقبها العلامة محمد رشيد رضا بأزهر الهند قبل ثمانين سنة.
 يعني هل تعتبر الجامعة ممثلة للفكر الأزهري المعتدل الذي انطلق من مصر بلد الأزهر، خاصة أن مجلس أمنائها منهم الأزهريون، ونسمع عن كثير من الأساتذة الأزهريين يدرسون فيه؟
● أريد أن أقف هنا عند وصف الجامعة بأزهر آسيا؛ فنحن جميعًا نحِنّ للعهد الزاهر لأزهر القاهرة، ونرجو أن يستعيد ماضيه المجيد، ويعود منارة للعلوم الإسلامية والعربية، ومنبعًا لتخريج كبار المثقفين والعلماء والوطنيين كما كان – مع هذا، فإن الجامعة لا تقدم نفسها باعتبارها بديلا عن الأزهر، بل تعتبر نفسها امتدادًا لرسالته واستكمالا لدوره؛ خاصة أن كثيرًا من الأساتذة الذين عاشوا للجامعة الإسلامية العالمية وفيها، وشاركوا في إنشائها، ونهضوا بها زمنًا طويلا تدريسًا وإدارة - هم من أبناء الأزهر المخلصين، بل العاشقين له؛ كالدكتور حسين حامد حسان، والدكتور أحمد العسال، والدكتور حسن محمود الشافعي.
 إذا كانت الجامعة بهذا الرقي الفكري، فهل ما زالت محافظة على هذا التميز أم أن مشكلات تواجهها؟
● الجامعة الإسلامية العالمية فقدت مع الوقت العناصر التي حققت لها تميّزها في المنطقة التي تحتضنها، وأول ذلك الأساتذة العرب، فبعد أن كانت عامرة بهم شيبًا وشبانًا، صاروا الآن بالنسبة لمجموع أساتذة الجامعة كالشعرة البيضاء في الثور الأسود. ومع وفرة العلماء الباكستانيين المختصين في العلوم الشرعية والعربية، إلا أنهم لا يُستعاض بهم عن الأساتذة العرب؛ لأن الأُوَل يفهمون العربية مكتوبة ومقروءة فقط في العادة، لكنهم لا يتكلمون بها، مما يحرم الطالب من التواصل المباشر مع الفكرة بلغتها الأصلية.تعاني الجامعة من مشاكل منها ازدواجيةالتعليم، ففي عهد الرئيس الباكستاني غلام إسحاق دُعيت الجامعة إلى إدخال التعليم الحديث فيها؛ تبرئة لها من أن تكون جامعة أصولية تقدم الزاد الفكري للإرهاب، فأنشئت كلية الحاسوب وكلية السياسة والاقتصاد وكلية الهندسة، وغيرها. والحقيقة أن هذه الكليات الجديدة كانت فرصة لتوفير دعم مالي للجامعة، إلا أنها قامت بجزء قليل منهوتبع هذا كله تراجع في الاهتمام باللغة العربية وعلومها وعلوم الشريعة الإسلامية كذلك وطغت الكليات الجديدة على الجامعة بلسانها العجمي واهتماماتها المختلفة عن الرسالة الأصلية للجامعة.كذلك أثرت الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها باكستان على الجامعة؛ فقد حصلت الجامعة هذا العام مثلا على جزء قليل من ميزانيتها التي بدأت الدولة تقدمها لها منذ عامين، مما أثر على مشاريعها التوسعية، وتوقف البناء في بعض مرافقها الجديدة، وصار بها مئات الطلبة بلا مأوى في مدينة شديدة الغلاء؛ خاصة ما يتعلق بإيجار المساكن.
 إذا الجامعة تتعرض لظروف كثيرة أثرت على رسالتها ومنها الأزمات الاقتصادية، فما أصل المشكلة؟
● الحقيقة أن الجامعة مرت بأزمات عديدة ليس هذا أولها، وأصل المشكلة أن قدر الجامعة أن تُقام في منطقة قلقة سياسيًا منذ عقود طويلة؛ وبسبب هذا فإن كل ما تتَّهم به باكستان تُتَّهَم به الجامعة، وكل خبرة عن طبيعة الشعب الباكستاني – وكثير منها ليس دقيقًا – تصير حكمًا ينسحب على الجامعة كذلك؛ ولأجل هذا اتُّهمت الجامعة بالإرهاب في الداخل والخارج، ودافع عنها رجال الفكر والسياسة في الداخل والخارج ممن لهم خبرة ومعرفة مباشرة بالجامعة ورسالتها ومناهجها.والجامعة تستقبل بعض طلابها من المدارس الدينية التقليدية في باكستان، وهم متهمون بالتطرف والإرهاب، والحق أن هذا حكم ظالم وعام في حقهم، ولي خبرة مباشرة بهم من خلال تدريسي لهم سنوات عدة؛ فقد يصح أن نصفهم بالجمود والتقليدية أو بالحماسة الدينية الزائدة في عمومهم، إلا أن هذه الأوصاف وأشد منها تنطبق على ملايين المتدينين من الهندوس في الهند والمسيحيين في الولايات المتحدة واليهود في فلسطين المحتلة وأميركا، وليس الحل بأن نحكم على طلاب هذه المدارس بالإعدام النظري؛ فضلا عن الإعدام الحقيقي، بل الأنسب في رأيي أن يُعرَّضوا لدفقات من التحديث لا تمسخ رسالتهم، وتخففُ من تقليديتهم، وتؤهلهم بصورة أكثر مناسبة للعطاء الرشيد.
 إذا كانت الجامعة ممثلة للدول العربية والإسلامية بالفكر المعتدل ألا تستحق من هذه الدول أن تدعمها لتقيلها من عثراتها؟
● الجامعة منذ أُنشئت وهي تتلقى دعمًا عربيًا سخيًا؛ سواء بإمدادها بالأساتذة، أو الإنفاق على إقامة منشآتها، وتقديم المنح لطلابها، وآخر ذلك ما قدمته مؤسسة آل مكتوم بالإمارات العربية من مساعدة سخية لبناء مبنيين كبيرين لسكن الطالبات تكلفا مليونين من الدولارات، كما وافقت وزارة الأوقاف القطرية مشكورة على إقامة مبنى أكاديمي يُخصَّص لطلاب كليتي الشريعة وأصول الدين، وهناك سعي لدى بعض الأطراف في المملكة العربية السعودية لتشييد المسجد الكبير للجامعة، والذي يتسع لآلاف المصلين.إلا أن هذه المجالات التي ما زالت في حاجة إلى المساعدة؛ خاصة المباني السكنية للطلاب والطالبات، لا ينبغي أن تنسينا جوانب أخرى لا تستغني عنها الجامعة في أداء رسالتها الراقية في خدمة التعليم الإسلامي. ولعل الجامعة تحتاج من الغيورين أن يتعاونوا لإقامة مشروع وقفي ضخم له إدارة مستقلة وخاصة به، نضمن من خلاله استمرار الجامعة في أداء رسالتها العالمية -بإذن الله- دون أن تعوقها عن ذلك التحولات السياسية والاقتصادية التي لا تتوقف.

ليست هناك تعليقات: